Page 34 - m
P. 34

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪32‬‬

                                                       ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫الاتجاهات الحكائية القديمة‪ ،‬ويقرر «شولز» أنه لا بد‬       ‫تقوم على أساس دعوى معينة‪ ،‬وحينما يحين أوان‬
   ‫من توافر عنصرين أساسيين في النص حتى يمكن‬                ‫تحقيقها يبدأ الحكي‪ ،‬ومن الأوان إلى النفاذ نكون‬
    ‫اعتباره ن ًّصا سرد ًّيا يوضع في مصاف النصوص‬        ‫أمام الوظائف الأساسية التى تخبرنا عن كيفية تحقق‬
     ‫السردية وهما‪ :‬وجود السارد «الراوي» ووجود‬             ‫تلك الوظيفة المركزية‪ ،‬وعلينا في المستوى الأول أن‬
  ‫الحدث‪ ،‬كما يقدم سر ًدا وافيًا لميراث السرد التقليدي‬      ‫نحدد هذه الوظيفة المركزية‪ ،‬لأنها مدار كل العمل‬
   ‫قدي ًما وحديثًا ويورد أيضا كل الدراسات السردية‬        ‫الحكائي‪ ،‬ثم نحدد في مستوى ثا ٍن مختلف الوظائف‬
                                                        ‫الأساسية‪ ،‬وبذلك يمكننا الانتقال من الصعيد الأفقي‬
‫التى قامت على تصور لغة الحكاية والسرد وتنظيراته‬          ‫إلى تعيين البنية الكبرى للسيرة الشعبية المحددة من‬
‫بين النقاد القدامي والمحدثين‪ ،‬وكلها تمتاح وتعتمد على‬   ‫خلال اختزالها إلى جملة تنظم النص بكاملة‪ ،‬وبنجاحنا‬
‫النصوص الحكائية‪ :‬الراوية والقصة‪ ،‬أما الإشارات إلى‬        ‫في الكشف عنها يمكننا الانتقال إلى المحور العمودي‬
                                                        ‫للوقوف على البنيات الصغرى التى تتحقق من خلال‬
     ‫الشعر فهي قليلة ج ًّدا في مجال تنظيرات السرد‪.‬‬
     ‫وجاءت كل تقنيات السرد القصصي فيما يخص‬                                        ‫عملية التراكم الحكائي‪.‬‬
    ‫الشكل‪ ،‬والمعني بكل تفصيلاتها في اتجاهات النقد‬        ‫وقد رصد «يقطين» هذه الظواهر في عدد من السير‬
                                                         ‫منها «عنترة بن شداد‪ ،‬سيرة بنى هلال‪ ،‬سيرة ذات‬
                 ‫الحديثة‪ ،‬فكانت تصنيفاتها كالآتي‪:‬‬
         ‫‪ -1‬تنظيرات خاصة بالعناصر السردية‪.‬‬                 ‫الهمة‪ ،‬سيرة الظاهر بيبرس‪ ،‬وسيرة على الزئبق‪،‬‬
                                                              ‫سيرة الزير سالم‪ ،‬سيرة فيروز شاه بن الملك‬
            ‫‪ -2‬تنظيرات خاصة باللغة السردية‪.‬‬
                ‫‪ -3‬تنظيرات خاصة بنحو السرد‪.‬‬            ‫ضارب»‪ ،‬وفي دراسة الشخصيات والفواعل والعوامل‬
                                                            ‫في السيرة الشعبية وقف على البنيات الشخصية‬
        ‫‪ -4‬تنظيرات خاصة بعلاقة هذه العناصر‬
                ‫بالدراسات الأسلوبية واللسانية‪.‬‬         ‫الكبرى‪ ،‬وقسمها إلى شخصيات مرجعية‪ ،‬وشخصيات‬
                                                            ‫شبه مرجعية‪ ،‬وشخصيات تخيليه‪ ،‬وشخصيات‬
  ‫وكانت البنيوية بأصولها المختلفة هي أقوى المذاهب‬          ‫عجائبية‪ ،‬ورصد سمات كل شخصية ودورها في‬
    ‫النقدية التى اهتمت بالسرد وعلماؤها هم أهم من‬
    ‫درس السرد القصصي‪ ،‬مرورا «بجنيت‪ -‬بارت‪-‬‬                ‫المنظور الحكائي‪ ،‬ثم اتجه إلى رصد البنيات الزمانية‬
                                                           ‫الكبرى والصغرى وتأثرها بمستويات الحكي‪ ،‬ثم‬
  ‫تودروف»‪ ..‬وغيرهم ممن قدموا حكائيًّا يختص بهذا‬
                          ‫النوع السردي الخالص‪.‬‬           ‫البنيات الفضائية الخاصة والعامة‪ ،‬ويبدو أنه متأثر‬
                                                             ‫إلى حد كبير بتنظيرات «إيكو» في مسألة العوالم‬
    ‫كما أدخلت عناصر في المفهوم السردي‪ ،‬والتفسير‬                      ‫والبنيات الخاصة بكل عنصر سردي‪.‬‬
   ‫والتأويل‪ ،‬وتم بحث العلاقات بينها وبين العناصر‬           ‫وقد بدأ الاهتمام مؤخ ًرا أي ًضا بدراسة النصوص‬

     ‫السردية‪ ،‬وبينها وبين الخطاب بشكل عام‪ ،‬وكل‬          ‫التراثية الصوفية‪ ،‬ونصوص المقامات‪ ،‬وكلا النوعين‬
 ‫المراجع العربية والأجنبية التى قدمها البحث السردي‬         ‫اتخذ من الإطار النبوي لدراسة السرد أسا ًسا في‬

  ‫كانت في الأساس موضوعة لدراسة النص السردي‬             ‫تحليل النص‪ ،‬ومن ثم جاء التطبيق لهذا الإطار تطبي ًقا‬
                             ‫القصصي والروائي‪.‬‬          ‫عا ًّما في إطار الحديث عن الوحدات وتواصلها تواص ًل‬

    ‫وقد فتحت بدورها مجالات أخرى لدراسة السرد‬                ‫يعتمد على رؤية الدارس أكثر ما يعتمد على رؤية‬
      ‫في الأنواع الأدبية الأخرى كالنصوص التراثية‪،‬‬         ‫النص‪ ،‬ثم يلجأ إلى تحليل الذوات السردية بصورة‬
                                                         ‫عامة دون البحث في إطار ترسمية سردية واضحة‪،‬‬
‫والشعرية‪ ،‬والدينية وغيرها من النصوص التى تصلح‬           ‫ولكن النص هو الذي أملى عليه خوض تجربة البحث‬
         ‫لمفهوم السرد بمعناه اللغوي والاصطلاحي‪.‬‬
                           ‫جـ‪ -‬السرد الشعري‪:‬‬                               ‫عن الذوات السردية في النص‪.‬‬
                                                                                  ‫ب– السرد في القصة‪:‬‬
   ‫يعد السرد الشعري أقدم الأشكال الأدبية المتكاملة‬
     ‫التى وجدت من خلال القصائد الملحمية الطويلة‪،‬‬         ‫تعد الآن أهم التنظيرات في دراسة السرد قائمة على‬
                                                            ‫السرد القصصي لأنها نشأت في بيئة حفل بهذه‬
‫والأغاني الرعوية والريفية‪ ،‬وأناشيد الصلاة في المعابد‬
‫البدائية‪ ،‬ولكن النظر إلى السرد نظرة منهجية تنظيرية‬

     ‫التصقت بالسرد القصصي‪ ،‬بل إن مناهج السرد‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39