Page 36 - m
P. 36

‫العـدد ‪60‬‬                 ‫‪34‬‬

                                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

                                                           ‫د‪.‬كارم عزيز‬

‫تشفير الكتابة عند «عبد العزيز‬

     ‫دياب»‪ ..‬قراءة في مجموعة‬

         ‫(شفرة اختطاف بطوط)‬

     ‫في مجموعة (شفرة اختطاف بطوط)‪ ،‬جاء السرد رشي ًقا مجان ًسا لمضامين‬
   ‫وأشكال القصص‪ ،‬وتعددت مستويات اللغة فيها‪ ،‬بساطة وفخامة‪ ،‬لكن اللغة‬

        ‫بشكل عام جاءت خالية من المستوى «الرمزي» الذي يعكس مسحة من‬
  ‫الغموض‪ .‬أي ًضا راوحت اللغة بين الفصحى الأدبية والفصحى الوسيطة (التي‬
  ‫تنطق على وجهين) وبعض التعبيرات العامية التي كان ثمة ضرورة لإيرادها‬
   ‫بذات اللهجة‪ .‬أما ما أثار الانتباه إلى اللغة في المجموعة‪ ،‬فهو بعض الظواهر‬

                              ‫التي تخص أسلوب عبد العزيز دياب‪ ،‬دون شك‪..‬‬

      ‫بداية‪ ،‬كان أكثر ما أثار الانتباه في مجموعة‬     ‫عندما بدأت ‪-‬تو ًقا وطم ًعا‪ -‬قراءة مجموعة‬
‫(شفرة اختطاف بطوط) هو حالة «التماهي بين‬
                                                     ‫(شفرة اختطاف بطوط)‪ ،‬أدركت ‪-‬بعد القصة‬
    ‫المؤلف والسارد» في معظم قصص المجموعة‪.‬‬            ‫الثالثة تقريبًا‪ -‬أني دخلت «حقل ألغام»! وكان‬
    ‫فالغالب في السرد القصصي أن «المؤلف» غير‬         ‫عليَّ أن أكمل ما بدأت‪ ،‬رغم غواية الرجوع وإيثار‬
   ‫«السارد»‪« :‬المؤلف ذات حقيقية من لحم ودم»‪،‬‬         ‫السلامة‪ ،‬لكني قبل المتابعة ع َّن لي أن أطلق على‬
‫بينما «السارد» موقع سردي وذات خيالية يشركه‬            ‫المجموعة وعلى هذا النوع من الكتابة «الكتابة‬
 ‫المؤلف في تشكيل النص وصياغة أبعاده‪ .‬لذا فإن‬
 ‫موقع السارد ‪-‬بحسب «برنس»‪ -‬هو أهم موقع‬                  ‫الملغومة» (مجرد هاجس!)‪ ..‬فأنت لا يمكنك‬
  ‫في القصة كلها‪ ،‬لأن موقعه هو الذي يمنح اللغة‬     ‫‪-‬بحال‪ -‬أن تتوقع‪ :‬متى وأين وكيف سوف تنفجر‬
 ‫دلالتها‪ ،‬ويحدد الزوايا التي يرصد بها الأحداث‪،‬‬
‫ويتبين بها معالم الشخصيات(‪ )1‬ومن ثم فالسارد‬                              ‫في وجهك الدهشة الآتية!‬
 ‫«أداة لعرض القصة»‪ ،‬وهو يقف في المنطقة التي‬         ‫في النهاية لخصت المسألة‪« :‬إنها كتابة ظاهرها‬
 ‫تفصل بين (المؤلف) و(الشخصيات) من ناحية‪،‬‬             ‫البساطة وباطنها العناء»‪ ،‬كتابة «لا تقول ما‬
   ‫وبين (القارئ) و(النص) من ناحية أخرى(‪.)2‬‬        ‫تدعيه»‪ ..‬كتابة لها بنيتان أو مستويان من التلقي‪:‬‬
                                                  ‫بنية سطحية وبنية عميقة (بمصطلحات علم النحو‬
      ‫وهذا يعني أن حالة فصام حتمية ينبغي أن‬
  ‫توجد ين المؤلف والسارد‪ ،‬وهذا باستثناء بعض‬            ‫التوليدي)‪ ،‬شأنها شأن الكثير من النصوص‬
                                                      ‫الأسطورية والصوفية والدينية والشعرية‪ ،‬بل‬
    ‫الحالات التي يتجاور أو يتطابق فيها كلاهما‪،‬‬    ‫وشأن بعض الأعمال الفنية التشكيلية السيريالية‪..‬‬

                                                                  ‫كلها يتطلب التأويل بشكل كبير‪.‬‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41