Page 290 - m
P. 290

‫العـدد ‪60‬‬                           ‫‪288‬‬

                                ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫أهمية في دورها الوطني‪.‬‬
                                                                ‫كانت المرأة في هذه الرواية‬
 ‫أفضل نموذج روائي للمرأة‬        ‫لأسرة تعيش على خط الفقر‪،‬‬
‫المصرية من الطبقة المتوسطة‬          ‫الأم ُتدبر معيشة أبنائها‬       ‫حبيسة لفراغ منزلها أو‬
‫التي جسدت الطبقة الوسطى‬                                        ‫للسوق البغيض في ظل حياة‬
‫وأزمتها الاقتصادية الطاحنة‬         ‫التي ترعاهم‪ ،‬مع العلم أن‬     ‫يائسة أو لفتنة البغاء‪ ،‬تظل‬
                                  ‫الأخت نفيسة والتي كانت‬
 ‫خلال فترة ما بين الحربين‬          ‫تعمل خياطة كانت تساعد‬         ‫ببساطة محاصرة لا تجد‬
  ‫العالميتين والمعروفة بأزمة‬       ‫والدتها في تربية إخوتها‪،‬‬      ‫سبي ًل للهروب منها‪ ،‬لأنها‬
                                ‫خاصة شقيقها الذي ترتجيه‬        ‫عندما تحاول ذلك بالاعتماد‬
          ‫الكساد العالمي(‪.)21‬‬     ‫الأسرة أن يصبح ضاب ًطا‪،‬‬      ‫بشكل كبير على هؤلاء الذين‬
   ‫نظر البعض إلى شخصية‬          ‫ولكن كانت مساعدتها المالية‬      ‫يقومون بسجنها(‪ .)16‬وعليه‬
                                  ‫قليلة‪ ،‬وحينما تجد طريقها‬
     ‫نفيسة على أنها صرخة‬          ‫للانحراف يدر عليها رب ًحا‬        ‫فلقد قدم نجيب محفوظ‬
   ‫احتجاج من محفوظ ضد‬             ‫أكثر‪ ،‬لم تمانع في أن تسير‬       ‫شخصية حميدة على أنها‬
 ‫استغلال النساء في المجتمع‪،‬‬       ‫فيه‪ ،‬فتنحرف الأخت‪ ،‬حتى‬       ‫فتاة بسيطة جميلة مقطوعة‬
  ‫توفي والدها وهي في مطلع‬                                         ‫النسب ومعدمة اليد‪ ،‬من‬
  ‫الثالثة والعشرين‪ ،‬وتركها‬           ‫تكون نهايتها مأساوية‬      ‫أحد الأحياء الشعبية الفقيرة‬
‫تواجه الحياة مع أمها وثلاثة‬         ‫بالانتحار على يد شقيقها‬        ‫بالقاهرة كانت قد أثرت‬
   ‫أخوة أصغر منها‪ .‬كما لم‬                                       ‫عليها الحرب العالمية الثانية‬
    ‫يكن هناك دخل لأسرتها‬             ‫والذي سيصبح بالفعل‬          ‫(‪ )1945 -1939‬دون أن‬
    ‫يكفيها‪ .‬لهذا بدأت تعمل‬                      ‫ضاب ًطا(‪.)19‬‬   ‫تشعر بذلك‪ ،‬فسيطرت عليها‬
   ‫في مهنة الحياكة لمساعدة‬                                     ‫أفكار وأحلام نتيجة لفقرها‬
 ‫أسرتها ماليًّا‪ .‬لم تكن تتسم‬    ‫نجح محفوظ في جعل نفيسة‬          ‫وصعوبة الظروف السائدة‬
‫بالجمال‪ ،‬لذا استسلمت لأول‬         ‫في حالة تخدير مثل الطبقة‬     ‫حولها فترة ضغوط الكساد‬
 ‫رجل استطاع إقناعها بأنها‬         ‫الوسطى في مصر فترة ما‬         ‫الاقتصادي إبان ثلاثينيات‬
    ‫أنثى لا تقل عن قريناتها‬                                        ‫القرن العشرين‪ ،‬وكانت‬
  ‫بيولوجيًّا أو عاطفيًّا‪ .‬ولكن‬  ‫بين الحربين العالميتين‪ ،‬حيث‬     ‫تهوى مشاهدة المعروضات‬
  ‫حينما هجرها بدون سبب‬              ‫لم يكن لها ذنب في حالة‬      ‫النفيسة من الثياب والآنية‪،‬‬
     ‫معقول في نظرها‪ ،‬بدأت‬                                         ‫فيثير ذلك في نفسها حب‬
                                ‫التخدير السياسي التي كانت‬        ‫المال على اعتبار أنه المفتاح‬
      ‫تنحدر بفعل الظروف‬           ‫تسود البلاد بسبب المعاناة‬    ‫السحري للدنيا(‪ .)17‬فتحولت‬
     ‫القاسية‪ .‬وهو ما دفعها‬       ‫من الفقر والعوز والقمع في‬        ‫من فتاة طموحة إلى فتاة‬
‫بشكل أو بآخر إلى الانحراف‬          ‫ظل نظام سياسي فاشل‪،‬‬            ‫خرجت إلى وسط القاهرة‬
‫ضحية للظروف الاقتصادية‬              ‫كما جعل نجيب محفوظ‬        ‫للعمل في حاناتها‪ ،‬فلم تحاول‬
  ‫والاجتماعية القهرية‪ .‬ومن‬          ‫من انتحار الأخت نفيسة‬     ‫تغيير واقعها‪ ،‬وبسبب جمالها‬
‫هنا يمكن النظر إلى شخصية‬          ‫انتصا ًرا على المجتمع الذي‬
  ‫نفيسة على أنها رمز للأمة‬         ‫ظلمها‪ ،‬لأن حسنين الذي‬            ‫وفقرها في نفس الوقت‬
  ‫التي عانت الكثير من الذل‬        ‫كان يرمز إلى ظلم المجتمع‬     ‫اتجهت إلى طريق الانحراف‬
‫والإهانة رغم أصالة معدنها‬          ‫قد أدرك بعد فوات الأوان‬
                                                                    ‫والانهيار الأخلاقي(‪.)18‬‬
          ‫ونبل تقاليدها(‪.)22‬‬    ‫أنه قد ظلم أخته‪ ،‬وأنها كانت‬        ‫وفي بداية ونهاية ‪1949‬‬
     ‫تتخلل فكرة أسر المرأة‬      ‫ضحية‪ ،‬فما كان من محفوظ‬         ‫قدم نجيب محفوظ المرأة في‬
    ‫العديد من الروايات التي‬      ‫إلا أن أنهى الرواية بانتحار‬   ‫صورة الأم والأخت نموذ ًجا‬
       ‫كتبها نجيب محفوظ؛‬
   ‫ففي رواية بين القصرين‬          ‫الشقيق حسنين كردة فعل‬
                                   ‫لانتحارها(‪ .)20‬وللأسباب‬
                                ‫السابقة فإن شخصية نفيسة‬
                                    ‫بطلة بداية ونهاية تعتبر‬
   285   286   287   288   289   290   291   292   293   294   295