Page 312 - m
P. 312

‫العـدد ‪60‬‬                             ‫‪310‬‬

                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                     ‫الجوع واليأس اتجهت نحوه‬
                                                                  ‫على الرغم من علمي بارتفاع‬
  ‫الستينيات هي المرحلة التي‬         ‫الأشمل والأعم الذي تطلبه‬      ‫أسعاره‪ ،‬ورآني صاحبه وهو‬
‫برع فيها «محفوظ» في الجمع‬         ‫الأمر تقريبًا بعد منحه جائزة‬     ‫يقف في مدخله أمام ستارة‬
                                                                    ‫مسدلة‪ ،‬فما كان منه إلا أن‬
  ‫بين المضمون والتقنيات في‬                   ‫نوبل عام ‪.1988‬‬
‫أكثر أشكالهما ديمومة‪ .‬ولقد‬         ‫إن نجيب محفوظ‪ ،‬بلا أدنى‬          ‫ازاح الستارة فبدت خرابة‬
  ‫ُت ِّو َج كل هذا‪ ،‬ولو بعد فترة‬  ‫شك‪ ،‬هو الكاتب العربي الذي‬          ‫ملأى بالنفايات في وضع‬
                                                                     ‫البهو الفخم المعد للطعام‪.‬‬
  ‫زمنية بعيدة‪ ،‬بحصوله على‬              ‫تم َّكن من إتقان التقنيات‬    ‫فقلت بانزعاج‪ :‬ماذا جرى؟‬
 ‫جائزة نوبل عام ‪ ،1988‬مع‬              ‫العديدة والمتنوعة للرواية‬
                                    ‫وتطبيقها في دراسة عميقة‬            ‫فقال الرجل‪ :‬أسرع إلى‬
    ‫تركيز الأكاديمية المانحة‬                                       ‫كبابجي الشباك لعلك تدركه‬
      ‫للجائزة على «الثلاثية»‬             ‫ومستمرة لعلل وطنه‪،‬‬
                                  ‫وبشكل أكثر تحدي ًدا‪ ،‬لمشاكل‬       ‫قبل أن يش ِّطب‪ ،‬ولم أضيع‬
‫والروايات المكتوبة قبل نكسة‬       ‫الطبقة المتوسطة الحضرية في‬           ‫وقتًا فرجعت إلى ساعة‬
                    ‫‪.1967‬‬                                               ‫الميدان ولكنني لم أجد‬
                                    ‫مصر‪ .‬فلقد عاش هو نفسه‬               ‫الدراجة والصديق(‪.)22‬‬
  ‫إن غياب أي ذكر لأعمال ما‬        ‫حياة بيروقراطية لعدة عقود‪،‬‬
 ‫بعد نكسة ‪ 1967‬واستخدام‬            ‫ظل يكتب فيها عن التوترات‬             ‫الخاتمة‬

       ‫لقب «ديكنز المصري»‬             ‫التي تنطوي عليها الحياة‬        ‫أعتقد أنه من الواضح بما‬
       ‫المذكورة أعلاه هما ما‬           ‫اليومية والتعليم والمهن‬       ‫يكفي أنني لم أستغل هذه‬
      ‫يشيران‪ ،‬بحسب رأيي‪،‬‬                                            ‫المناسبة الرائعة للدخول في‬
    ‫إلى بعض القضايا الأكثر‬           ‫لدى تلك الطبقة المتوسطة‬        ‫نقاش عميق حول مجموعة‬
‫اتسا ًعا‪ .‬وفي حين أنه في وقت‬         ‫بمهارة فنية غير مسبوقة‪.‬‬       ‫مختارة من الأعمال الفردية‬
  ‫فوزه بجائزة نوبل‪ ،‬لم تكن‬           ‫ولقد أثبتت الروايات‪ ،‬التي‬
    ‫«الثلاثية» قد ُنشرت بعد‬        ‫بدأت في مرحلة الأربعينيات‬          ‫لمحفوظ أو حتى للتعليق‬
 ‫بالترجمة الإنجليزية (تكمن‬          ‫واستمرت حتى خمسينيات‬            ‫حصر ًّيا على جوانب معينة‬
  ‫قصة أخرى وراء ذلك)‪ ،‬إلا‬
  ‫أنه حتى بعد فوزه بجائزة‬                ‫القرن العشرين‪ ،‬مدى‬             ‫في إنتاجه الإبداعي‪ .‬إن‬
‫نوبل ورغم المشروع المنهجي‬           ‫الفعالية والقوة الإصلاحية‬      ‫قائمة الروايات والمجموعات‬
  ‫الذي نفذته مطبعة الجامعة‬            ‫المحتملة للرواية في جميع‬
                                   ‫أنحاء العالم العربي‪ ،‬وكانت‬           ‫القصصية التي أبدعها‬
                                                                       ‫«محفوظ» طويلة للغاية‬
                                                                      ‫لدرجة أنه من المستحيل‬
                                                                      ‫إنجاز مثل هذا المشروع‬
                                                                    ‫خلال الوقت المتاح‪ .‬لكن ما‬
                                                                    ‫حاولت القيام به هو وضع‬
                                                                     ‫إنجاز محفوظ داخل إطار‬
                                                                     ‫تاريخي وعام أشمل‪ ،‬وفي‬
                                                                     ‫الوقت نفسه تقديم تقدير‬
                                                                       ‫لشخصه وما حققه من‬
                                                                  ‫إنجازات وطرح إشكالية هذا‬
                                                                   ‫الإنجاز نفسه في هذا الإطار‬
   307   308   309   310   311   312   313   314   315   316   317