Page 310 - m
P. 310

‫العـدد ‪60‬‬                                 ‫‪308‬‬

                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                             ‫مع الممارسة الإسلامية‪،‬‬
                                                                         ‫يرد الشيخ‪« :‬لو ُبعث نبينا‬
   ‫بدلالة رمزية محتملة‪ :‬عبد‬        ‫عبارة عن فقرة واحدة‪ ،‬وهو‬             ‫اليوم لأنكر هذا الجانب من‬
   ‫ربه‪ ،‬التائه في البرية‪ .‬ومع‬        ‫يحتوي بالتأكيد على بعض‬
  ‫وصول هذه الشخصية إلى‬                                                     ‫إسلامكم(*)»(‪ .)17‬وبرغم‬
‫السرد‪ ،‬فإن وجود «الحكمة»‬           ‫الذكريات الحزينة من طفولته‬            ‫أنه من المؤكد أن من ينطق‬
  ‫التقليدية (الأقوال المأثورة)‬          ‫المبكرة‪ ،‬وهي نغمة تميز‬           ‫هذه الكلمات هو شخصية‬
 ‫السائدة في الأدب العربي في‬            ‫أي ًضا عم ًل روائيًّا لاح ًقا‪،‬‬   ‫في عمل خيالي‪ ،‬إلا أن تراكم‬
‫فترة ما قبل الحداثة وخاصة‬              ‫ألا وهي رواية «قشتمر»‬           ‫هذه التعليقات وغيرها يشير‬
    ‫في لغة الخطاب الصوفي‪،‬‬                                               ‫إلى أن الأسلوب الاستعاري‬
                                    ‫(‪« 1988‬اسم المقهى») التي‬           ‫يحقق هدفه العام والأساسي‬
        ‫أصبح عام ًل مهيمنًا‪:‬‬          ‫س َّجل فيها ذكريات جميلة‬
‫قال الشيخ عبد ربه التائه‪ :‬لا‬          ‫عن أيام شبابه في ضاحية‬                        ‫مرة أخرى(‪.)18‬‬
‫يوجد أغبى من المؤمن الغبي‪،‬‬            ‫العباسية المورقة آنذاك‪ .‬إذ‬             ‫وبينما يساهم العملين‬
                                   ‫إن صوت الراوي في «أصداء‬                 ‫المذكورين أعلاه إسها ًما‬
            ‫إلا الكافر الغبي‪.‬‬        ‫السيرة الذاتية» هو صوت‬              ‫واض ًحا في الحركة الأشمل‬
  ‫قال الشيخ عبد ربه التائه‪:‬‬         ‫رجل عجوز ينظر إلى الوراء‬           ‫والأعم لاستكشاف اتجاهات‬
                                                                             ‫جديدة تما ًما في كتابة‬
     ‫الحاضر نور يخفق بين‬               ‫مسترج ًعا شريط حياته‪:‬‬            ‫الرواية العربية‪ ،‬إلا أن هناك‬
                   ‫ظلمتين‪.‬‬          ‫هذه الصورة القديمة جامعة‬            ‫عم ًل إضافيًّا يبدو من نوا ٍح‬
                                   ‫لأفراد أسرتي‪ ..‬وهذه جامعة‬             ‫عدة أنه يلخص الاتجاهات‬
         ‫قال الشيخ عبد ربه‬                                              ‫السابقة في مسيرة محفوظ‬
    ‫التائه‪ :‬أقوى الأقوياء من‬             ‫لأصدقاء العهد القديم‪.‬‬            ‫ككاتب‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
                                    ‫نظرت إليهما حتى غرقت في‬                 ‫يقدم دلي ًل إضافيًّا على‬
              ‫يصفحون(‪.)20‬‬                                                   ‫رغبته‪ ،‬إذا جاز التعبير‪،‬‬
‫كم تبدو هذه المبادئ الروحية‬           ‫الذكريات‪ ..‬جميع الوجوه‬              ‫لاستكشاف طرق خيالية‬
                                       ‫مشرقة ومطمئنة وتنطق‬             ‫جديدة و”العودة مرة أخرى‬
     ‫المقتضبة بعيدة عن لغة‬              ‫بالحياة‪ .‬ولا إشارة ولو‬             ‫لنقطة البداية»‪ .‬إن العمل‬
  ‫«الثلاثية»! ومع ذلك‪ ،‬يبرز‬          ‫خفيفة إلى ما يخبئه الغيب‪.‬‬             ‫المقصود هنا هو «أصداء‬
 ‫هذا المزيج الغريب والأصلي‬             ‫وها هم قد رحلوا جمي ًعا‬               ‫السيرة الذاتية» ‪1994‬‬
                                        ‫فلم يبق منهم أحد‪ .‬فمن‬           ‫( ُنشرت ترجمته الإنجليزية‬
    ‫تما ًما من السرد الحديث‬        ‫يستطيع أن يثبت أن السعادة‬            ‫عام ‪)1997‬؛ ويثير العنوان‬
     ‫المجزأ والخطاب المأثور‬        ‫كانت واق ًعا حيًّا‪ ،‬لا حل ًما ولا‬     ‫هنا الغيظ إلى حد ما‪ ،‬حيث‬
‫التقليدي تما ًما باعتباره أكبر‬                                             ‫إن العديد من الأشخاص‬
    ‫تتوي ًجا وإنجا ًزا مؤث ًرا في‬                    ‫وه ًما(‪.)19‬‬           ‫الذين ربما كانوا يأملون‬
 ‫اتجاه محفوظ الفكري الذي‬            ‫وبرغم أن هذا الحنين يربط‬             ‫في العثور في صفحاته على‬
 ‫يميل الباحثون الغربيون إلى‬         ‫هذا العمل بأعمال أخرى من‬               ‫أي شيء يقترب ولو من‬
    ‫التقليل من أهميته بسبب‬           ‫الفترة نفسها‪ ،‬ومن مرحلة‬                ‫بعيد من السيرة الذاتية‬
     ‫رغبتهم في ربط الرواية‬                                              ‫التقليدية‪ ،‬سيصابون بخيبة‬
   ‫العربية بنظيرتها الغربية‪.‬‬             ‫سابقة كذلك‪ ،‬وتحدي ًدا‬          ‫أمل‪ .‬ويتألف هذا العمل من‬
       ‫ويشير عنوان دراسة‬            ‫«حكايات حارتنا» التي سبق‬            ‫أكثر من ‪ 200‬مقطع قصير‬
‫ماتيتياهو بيليد ‪Mattityahu‬‬         ‫أن أشرنا إليها‪ ،‬إلا أنه يصبح‬
    ‫‪« ،Peled‬ديني الخاص»‬            ‫أكثر فردية عند نقطة محددة‬
  ‫‪ ،Religion My Own‬التي‬
 ‫ُنشرت في أوائل الثمانينيات‪،‬‬         ‫في منتصف الكتاب تقريبًا‪،‬‬
 ‫بالفعل إلى الاتجاه الصحيح‪،‬‬          ‫وذلك عندما يع ِّرف الراوي‬
     ‫ولكن يبدو أن مجموعة‬              ‫القارئ على تسلسل أفكار‬
‫مختارة من الأعمال المنشورة‬          ‫الشيخ «عبد ربه التائه»‪ ،‬ولا‬
                                     ‫داعي للقول إن اسمه مليء‬
   305   306   307   308   309   310   311   312   313   314   315