Page 336 - m
P. 336
العـدد 60 334
ديسمبر ٢٠٢3
في طيورها العائمة أزمنة ،وتلك العائمة لتتقابل ،وتتنافر ،وتتفاعل، في الخانتين صورة رديفة لطائر
الأزمنة صرحت بإحالاتها وتنفرد بذاتها .هي ملهمة النحام وهو على هيئته ،وأحيا ًنا
تطارد أدق خصوصياته فتجعله
لترسم في عين المبصر تناقضات لأنها بطبيعتها طيور مهاجرة وفيًّا لتقاليده الحياتية حين يقف
لونية وتفاعلات بصرية متباينة فتكون بذلك في حركة مستمرة، على ساق واحدة لتجديد طاقته ،أو
منها الداكن والفاتح ،والمضيء الانحراف برقبته إلى حيث مخبأ
والعاتم ،والواضح والضبابي، وبدورها الفنانة قد صورت يتخيره ،أو حين يمد منقاره أسفل
ولعبة المستويات ،ولعبة الظلال، المشهد متحر ًكا معلنًا عن ولادة الماء يتحسس فريسته ،أو عند
أحداث مستترة قد لا تدركها عين ضربه لجناحيه ينفض بقايا مياه
ولعبة القيم الضوئية ونقاط المبصر مباشرة ،فلم تعد كل تلك عالقة أو يستعد للطيران لتجديد
الشد البصري ومواطن الكثافة الفواعل تحمل ماهيتها المعتادة بل المكان .والفنانة بدورها تستعير
حينًا والتهوئة حينًا آخر ،ولعبة استعارت ماهيات بديلة مستمدة تلك الخصائص فتدرك من خلال
من حقل التشكيل ،فتجاوز البحر قراءة التنصيبة شغفها بالمكان
التجاور والتباعد ،الأجزاء التعريف المباشر ليرتبط بالتعريف
المتشظية والكتلة المجمعة، الفني المستحدث مجا ًزا باعتباره وتوقها لبناء عالمها المميز من
والسكون في لحظة منفردة، محم ًل وفضا ًء أعد لتلقي رسالة خلال تأ ٌمل وملاحظة تسبق لحظة
والحركة في لحظات متوهجة. فنية واستيعاب أفكار من صميم
أعمال الفنانة فاطمة دمق حاكت تجريبية ،إذ الفنانة فاطمة دمق
تلك الثنائيات ،وأنتجت غيرها القضايا التشكيلية ،وصوغ ترى البحر لوحة شاغرة وإن بدت
وأظهرت الكثير منها لتجعل منها مقاربات ذاتية تعيش خلالها
وعاء يحمل العديد من التناقضات الفنانة لحظة إنشائية على أثرها مكتظة بعناصرها ،وتستلهم منه
والمتضادات في ذات الإطار ،وهي تتشكل ملامح التكوين بمعالجاته مواطن الفراغ التي تدركه بعين
خصيصة تسند العمل وتثبت المادية المتنوعة والمتلائمة وطبيعة المبصر بداية ثم بعين الفنان الذي
نقاط القوة داخله ،وترتقي به الحفر الفني في علاقة بطبيعة سيكمل المرحلة الأصعب في العمل
ليلامس جوانب أخرى ذات الصلة وهي أن تجعل من المحفورة عائمة
بالإطار وحدوده وما يحمله من المحمل -البحر.
مكونات وجدت قص ًدا وغيرها قد إن طرافة التجربة تجعلك أمام متجاورة ،ومتحاورة ،يربطها
تتواجد بصفة اعتباطية وبطريقة حالة من التأمل الدائم لغائيات خيط افتراضي دقيق لا وجود
تلقائية ،وهو ما يطرح التساؤل له إلا في ذهن المشاهد الحاذق
حول أمكانية حصر المحمل أو الممارسة التشكيلية ،وتبعث الذي ينظر إلى الأجزاء على شاكلة
إطلاقه لينفتح ويستوعب مختلف بتفكيرك إلى مداه لترسم في توليفة غير مجزأة ولا منفصلة،
الفواعل الحاضرة في تعددها؟ ذهنك جملة من المقولات التي فالتكوينات في بعدها الفيزيائي
وأي جمالية قد يضيفها حضور تعكسها مرئيات عائمة سابحة هي سرب من طيور الفلامينغو
المشاهد أو ذات الفنان على العمل؟ في أزمنة مختلفة ،وهي أزمنة حطت مجتمعة في فضاء متحرك
وأي إضافة حققها البحر -المحمل تعمدت الفنانة أن تقحمها في عائم ،وجعلت منه رك ًحا لأحداث
مدار اهتماماتها وكأنها تناجي تنقلها صورة مرئية مباشرة،
للتنصيبة؟ تجربة كلود مونيه حين رسم وصورة فوتوغرافية تنسخ أجزاء
أسئلة تتواتر كثي ًرا في الذهن أثناء «نبات البشنين» في أوقات متنوعة المشهد وترفعه للمشاهد حتى
ليصطاد على إثرها لحظات يستقرئ تفاصيل التكوينات،
مشاهدتك لعمل الفنانة ،هجرة الاختلاف الزمني المنعكس على وفلسفة الهيكلة التي اختارتها
وردية على ضفاف بحر ،إطار الاختلاف اللوني ،غير أن ميزة
تحتله الفنانة وتتملكه قصد إحالته التنصيبة تقودك إلى تلقي رسائل الفنانة ،ورتبتها مثل لعبة
عدة وثنائيات شتى أولها يتشابه الدمى الراقصة ،فتتغير المواقع
إلى مكان فني ،هي لا تبحث مع تجربة مونيه حين أوجدت
في إمكانيات حصره ،والآليات وتستدعي طيورها الوردية