Page 10 - merit 48
P. 10

‫العـدد ‪48‬‬                                       ‫‪8‬‬

                                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫برامج لرعاية المرضى وكبار السن‪ ،‬وتدفع‬         ‫أهبل‪ ،‬فالغرب عمو ًما مجموعة من الجاليات‪،‬‬
 ‫إعانات بطالة للمفصولين من أعمالهم وغير‬        ‫ففي أمريكا جاليات عربية ويهودية وآسيوية‬
‫القادرين على العمل‪ ،‬كما تدفع إعانات للسكن‬      ‫وأفريقية وصينية ويابانية وهندية وبنجالية‪..‬‬
‫وللطعام وللأطفال‪ ..‬وقد تكبدت مبالغ كبيرة‬       ‫إلخ‪ ،‬وكل جالية لها تقاليدها الخاضعة لدينها‬
‫ج ًّدا لتعويض الناس وقت أزمة وباء كورونا‪،‬‬
‫أي ًضا فالدولة في أمريكا تغطي نفقات التعليم‬      ‫وعاداتها وتقاليدها‪ ،‬وبعضها أكثر أصولية‬
 ‫ما قبل الجامعي بالكامل‪ ،‬بل وتغطي التعليم‬           ‫من أصوليينا‪ ..‬حتى الغربيين البيض لا‬

    ‫الجامعي نفسه في حالات كثيرة بشروط‬            ‫يمارسون الجنس بهذا المفهوم المبتذل الذي‬
 ‫ميسرة‪ ،‬مما يستحيل معه الحديث عن غياب‬             ‫يورده أوريد ويريدنا أن نظن أنه (مفكر)‪،‬‬
‫البعد الإنساني بالشكل الذي يسوقه الكتاب‪.‬‬        ‫فالرجل يكتفي بامرأة واحدة‪ ،‬والمرأة شريك‬
                                                ‫أساسي في الحياة‪ ،‬تتعلم وتعمل وتشارك في‬
   ‫صحيح أن الأمور قد لا تكون على ما يرام‬          ‫الإنفاق‪ ،‬والخيانة جريمة لا تغتفر‪ ،‬يعترف‬
   ‫دائ ًما‪ ،‬لكننا نتحدث عن نظم إنسانية فيها‬       ‫بها فاعلها‪ ،‬وتكون سببًا في الفراق الأبدي‪.‬‬
                                                   ‫الإجابة المسبقة التي انطلق منها أوريد في‬
                   ‫مواطن قوتها وضعفها‪.‬‬            ‫بناء فصول كتابه «أفول الغرب»‪ ،‬وهي أن‬
    ‫لكن الحديث عن «الديمقراطية» هو الذي‬          ‫الحضارة الغربية تسعى إلى انهيارها لأنها‬
  ‫يوضح أكثر تناقض أوريد مع نفسه‪ :‬فمن‬           ‫تخلت عن «الدين»‪ ،‬الذي هو العامل الإنساني‬
    ‫ناحية يقول إن الديمقراطية تحتاج دولة‬        ‫المهم‪ ..‬عن سؤال لم يكلف نفسه بطرحه من‬
 ‫وحدو ًدا ومواطنين يص ِّوتون في الانتخابات‪،‬‬       ‫الأساس‪ ،‬وهو‪ :‬إذا كنا متدينين وإنسانيين‬
 ‫وهو ما ليس موجو ًدا في الرأسمالية التي لا‬        ‫فلماذا لم نتقدم؟ هي التي جعلته لا يعرف‬
 ‫وطن لها‪ ،‬حيث تتعدى الأموال حدود الدول‬            ‫ماذا يريد من كتابه أسا ًسا‪ ،‬وجعله يقع في‬
    ‫وتؤثر في أماكن متعددة من العالم‪ ..‬ومن‬        ‫الكثير من التناقضات‪ ،‬سأتوقف عند أمرين‬
  ‫ناحية أخرى يعيب على «الدول» الرأسمالية‬
   ‫طمعها وجشعها وانغلاقها على نفسها‪ ،‬بل‬                ‫منها فقط هي‪ :‬الديمقراطية والعلاج‪.‬‬
    ‫وشعبويتها ورفضها للآخر في كثير من‬                 ‫يفرد الكتاب مساحة واسعة للقول إن‬
  ‫الأحيان‪ ،‬مثلما فعل دونالد ترمب –الرئيس‬        ‫«الحضارة الغربية» بالفعل لا تسأل المريض‬
  ‫الأمريكي السابق‪ -‬حين منع مواطني سبع‬               ‫عن دينه أو عرقه‪ ،‬لكنها تسأل عن دفتر‬
‫دول إسلامية من دخول أمريكا‪ ،‬وبنى سو ًرا‬               ‫شيكاته! وأن المريض تحول إلى مجرد‬
‫عملا ًقا على الحدود مع المكسيك ليمنع حالات‬        ‫رقم على سرير المستشفى بما يشي بغياب‬
      ‫التسلل‪ ،‬فلا تكاد تعرف من أوريد‪ ،‬هل‬          ‫الإنسانية عن مهنة الطب‪ ،‬ويربط ذلك –من‬
‫الليبرالية الجديدة حولت أمريكا إلى «لا دولة»‬        ‫باب موارب‪ -‬بتجارة الأعضاء وتشييء‬
                                                    ‫الإنسان‪ ..‬وهو رأي منتشر بين كثيرين‬
               ‫أم حولتها إلى «دولة مغلقة»؟‬        ‫وأطنه متسر ًعا‪ ،‬لأن المريض ُيعالج أو ًل في‬
      ‫يقول أوريد الفكرة وضدها‪ ،‬لأن كتابه‬          ‫مستشفيات أمريكا ثم ترسل الفواتير بعد‬
   ‫يفتقر إلى التماسك النظري‪ ،‬فتجده يسوق‬        ‫شفائه إلى بيته‪ ،‬وإن لم يستطع سدادها يحال‬
 ‫أمثلة متناقضة في مواقف مختلفة ليدلل على‬           ‫إلى المحكمة التي ُتس ِقط هذه الديون غالبًا‬
  ‫«إجابة» مسبقة كما ذكرت‪ ،‬وبالطبع سيجد‬          ‫لتدفعها الولاية‪ ،‬غير أن قطا ًعا كبي ًرا من غير‬
‫بين المفكرين الغربيين من يساند هذه الفكرة‬      ‫المقتدرين مشمولين بغطاء تأميني كبير يدفع‬
   ‫أو تلك‪ ،‬بحسب موقف كل منهم من الدين‬
 ‫والسياسة والاقتصاد‪ ،‬وبحسب الزمن الذي‬                             ‫نفقات علاجهم بالكامل‪.‬‬
                                                   ‫هذه التغطية الاجتماعية ليست في القطاع‬
                          ‫َك َتبَ فيه وآلياته‬  ‫الصحي فقط‪ ،‬بل إن الولايات الأمريكية لديها‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15