Page 15 - merit 48
P. 15
13 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
مفهومه للشعر ،لا يقلل من
ذلك مقارنته بين المتنبي
وبين غيره من الشعراء،
أو عرضه للأصول
الأدبية في عصره ،لأن
جهده مقصور ،شاء
أم لم يشأ ،على شعر
المتنبي ،وإ ْن كنا لا ننفي
وجود ذلك الأثر العام في
فهمه لطبيعة الشعر من
منطق الموروث النقدي
أو البلاغي الذي وعاه
وانطلق من أساسه.
فالجرجاني في هذا الكتاب
لم يحاول أن يقدم نظرية
إحسان عباس جوستاف لانسون داماسو ألونسو في الفن الشعري ،أو يضع
قواعد تضبط هذا الفن،
متمث ًل في قوله“ :ودونك هذه الدواوين الجاهلية كما كان الحال مع ابن طباطبا ،صاحب كتاب
والإسلامية ،فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم (عيار الشعر) مث ًل ،فابن طباطبا أراد أن يحدد
من بيت أو أكثر لا يمكن لعائب القدح فيه ،إما
في لفظه ونظمه ،أو ترتيبه وتقسيمه ،أو معناه، تصو ًرا للشعر ،ماهيته ،أداته ،مهمته ،فهو له رؤية
أو إعرابه؟ ولولا أن أهل الجاهلية ُج ُّدوا بالتقدم، محددة للفن الشعري ،بغض النظر عن الاتفاق أو
واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة والأعلام والحجة،
الاختلاف حول هذه الرؤية ،يتضح ذلك من اسم
لوجدت كثي ًرا من أشعارهم معيبة مسترذلة
ومردودة منفية”(.)8 الكتاب نفسه ،ف(عيار الشعر) يعني المقياس الذي
ويدلي القاضي الجرجاني ،من هذا المنطلق ،بدلوه يقاس به الشعر ،فنحن إزاء ناقد يتعامل مع الفن
في مشكلة تنازع النقاد العرب حول التفضيل
بين الشعراء القدماء والمحدثين فنجده يقول: الشعري مباشرة ،ويحاول أن يحدد إطا ًرا نظر ًّيا
“إ َّن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه لهذا الفن ،دون أن يكون همه تناول شاعر معين
الطبع والرواية والذكاء ،ثم تكون ال ُّد ْر َبة مادة له أو أبيات من الشعر دون غيرها.
وقوة لكل واحد من أسبابه ،فمن اجتمعت له هذه
الخصال فهو المحسن المبرز ،وبقدر نصيبه منها وقد كان اتجاه قدامة بن جعفر أي ًضا هو
تكون مرتبته من الإحسان ،ولست أفضل في هذه
القضية بين القديم والمحدث والجاهلي والمخضرم محاولة لوضع علم يحدد جيد الشعر من
والأعرابي والمولد”( .)9ولكن القاضي الجرجاني
رديئه ،بغض النظر أي ًضا عن الاختلافات حول
يشترط في شعر المحدث أ َّل يتكلف تقليد شعر
القديم وإ َّل وقع التعقيد والاستكراه ونفور النفس إنجازات هذه المحاولة .وعلي أية حال ،فقد تنبه
َع َّما لا تألفه ،فهو حين يناقش قضية الصراع القاضي الجرجاني إلى مكانة الشعر والشعراء
في العصرين الجاهلي والإسلامي ،وذهب إلى أن
الاعتزاز بهذا الشعر وتقدمه ،هو السبب الوحيد
الذي صرف الناس عن تناول هذا الشعر ببيان
ما فيه من عيوب ولحن وأغاليط سواء في ألفاظه
أو في معانيه ،على حد تعبيره ،ومضي يفيض في
بيان هذه الأغاليط ،ليتخذ من ذلك مبر ًرا للدفاع
عن أخطاء المتنبي الشعرية .ونجد هذا المعني