Page 14 - merit 48
P. 14
العـدد 48 12
ديسمبر ٢٠٢2
حول الكتاب يطرحها محققاه ،وتتضح هذه النظرة والثعالبي في يتيمة الدهر طائفة كبيرة من شعره
في تقديمهما له بقولهما“ :وليس كتاب الوساطة تدور حول الفخر والمديح والغزل والحنين(.)4
مخت ًّصا بشعر المتنبي كما ُيفهم من عنوانه ،بل
أ ّما كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) فقد
إنه عرض للأصول الأدبية التي عرفت في عصره، ألفه القاضي الجرجاني ،وقد وصل النقد في القرن
وحلَّل أشعار القدماء والمحدثين ،وأورد كثي ًرا من
محاسنهم وعيوبهم ،وأبان ما شاع فيها من تعقيد الرابع إلى َأ ْوجه ،واختفي من حلبته اللغويون
والنحاة ،وحمل رايته الأدباء ،يتميز نقدهم
وغموض ،وأخذ وسرقة واستعارة حسنة أو
رديئة ،ثم عرض للبيئة وأثرها في الشعر ،والبداوة باستقصاء البحث ،وشمول الفكر ،وتوضيح
العلل ،والموازنة العامة بين الشعراء ،وعنوا
وما ُت ْح ِدثه من جفوة في الطباع ،والحضارة بدراسة الشعر وتقدير رجاله ،وتخاصموا فيهم،
وما ينشأ عنها من رقة وسهولة ،ثم عرض فهذا ينتصر لأبي تمام ،وذاك يتشيع للبحتري،
لخصوم المتنبي وأنصاره ،ومعانيه المأخوذة أو وهؤلاء يرفعون من قدر المتنبي ،وينسبون إليه
كل فضيلة في الشعر ،وأولئك ينتقصون منه،
المخترعة”(.)7 ويرمونه بالتعقيد والمعاظلة والالتواء ،وعمرت
تلك مقدمة تضع فه ًما عا ًّما لكتاب الوساطة ،حتى بأحاديثهم مجالس الأدب ،وسارت مقالاتهم
وكتبهم في كل صقع وواد .من هؤلاء أبو الفرج
إذا مضينا في تناول مفهوم الشعر عند القاضي الأصفهاني ،وابن العميد ،والصاحب بن عباد،
الجرجاني أدركنا كيف أنه تعامل مع الشعر من وأبو على الحاتمي وأبو الحسن بن َل ْنكك البصري،
منظور خاص جعل من المتنبي مرك ًزا يدور حوله والآمدي ..فقد ظهر المتنبي فملأ الدنيا وشغل
الناس ،كما يقول ابن رشيق ،واختصم الأدباء
القاضي الجرجاني في شعره وقطعوا الأزمان المتواصلة في تحديد
أغراضه ،وتعصب له فريق ،وغ َّض من شأنه
فريق ،وكان من الذين غضوا من شعره الصاحب
بن عباد ،وألف فيه رسالة سماها (الكشف عن
مساوئ المتنبى) أقامها على التنقص منه ،والحط
من َق ْدره .وقد ذكر الرواة أن الصاحب كان هين
المكانة حين وفد المتنبي على ابن العميد ،وكان يود
لو قصده أبو الطيب ،فلما تجاهله جزع وسخط،
وألف فيه هذه الرسالة ،ذكر فيها من شعر المتنبي
أمثلة للغموض والتعقيد والركاكة وقبح الألفاظ
واستكراهها( .)5وكان أبو الفتح عثمان بن جني
من ناحية أخري يرفع من َق ْدره ،ويشيد من ذكره
وأصبح لكل منهما أشياع.
وفي هذه الحلبة ،وذلك المعترك ألَّف القاضي
على عبد العزيز كتاب الوساطة( .)6إ َّن دراسة
كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي
الجرجاني يمكن أن تكشف عن مفهوم الشعر
كما تصوره صاحب الكتاب ،ولع َّل قو ًل مجم ًل
في هذا الكتاب يفتح لنا الطريق قبل أن نمضي مع
الجرجاني وفهمه للشعر .وبين أيدينا نظرة مجملة