Page 19 - merit 48
P. 19
كذلك يفعل القاضي الجرجاني وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
بعد أن يورد ُمُثًل للاستعارة أو قول بشار:
السيئة ،من وجهة نظره ،فلا كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوي كواكبه
يعلل ولا يفسر ولا يحلل بل
يعِّلق على ذلك قائًل" :فاسدد أو قول ابن المعتز:
وانظر إليه كزورق من فضة
مسامعك ،واستغش ثيابك، قد أثقلته حمولة من عنبر()30
أو غير ذلك من تشبيهات لا حصر لها،
وإياك والإصغاء إليه ،واحذر أعجب بها النقاد العرب على اعتبار أن
هناك اتسا ًقا واشترا ًكا لا تخطئه العين
الالتفات نحوه ،فإنه مما يصدئ بين طرفيها .والشعر الجيد ،من هذا
المنطلق ،هو الذي تتحقق في عناصره
القلب ويعميه ،ويطمس صفة الوضوح والتمايز ،بحيث لا
يتداخل ،فيصيب الشعر ،في هذه الحالة،
البصيرة ،ويكد القريحة" التعقيد والغموض مما يفسده متعته،
ولذلك حظي التشبيه عند الناقد العربي
تصوره للشعر يتَّضح ،من حيث عدم اعتداده باهتمام واضح دون الاستعارة( ،)31لأ َّن
بالتجنيس والمطابقة وعدم احتفاله بالإبداع الاستعارة لا تحافظ في نظره على هذه
والاستعارة إذا حصل عمود الشعر ونظام الوضوح والتمايز بين عناصرها ،مما
القريض على حد تعبيره. قد يسبب التعقيد والغموض في الشعر .وربما
كان تحامل القاضي الجرجاني على أبي تمام
ولما كان أبو تمام قد أكثر من هذه الاستعارة التي منطلقا من هذه الأطر ،إذ إنه ،كغيره من النقاد
ُع َّدت في نظر الناقد العربي غريبة ،خارجة عما العرب الذين تأثر بهم ،يعد الاستعارة الجيدة هي
التي تقدم المعني تقدي ًما واض ًحا ،فبعد أن ُي َع ِّرف
هو مألوف في الشعر ،فقد خرج بذلك عن (عمود القاضي الجرجاني الاستعارة ،يذكر أن قيمتها
الشعر العربى) الذي ح َّدده القاضي الجرجاني إنما تتمثل في وضوحها ،يقول“ :وإنما الاستعارة
ما اك ُتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل ،و ُنقلت
نفسه فيما أشرنا إليه من شرف المعني وصحته، العبارة ف ُجعلت في مكان غيرها ،وملاكها تقريب
وجزالة اللفظ واستقامته ،وإصابة الوصف، الشبه ،ومناسبة المستعار له للمستعار منه،
وامتزاج اللفظ بالمعني حتى لا يوجد بينهما منافرة
والمقاربة في التشبيه ،والغزارة في البديهة ،وكثرة ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر”(.)32
الأمثال السائرة ،والأبيات الشاردة(.)34 وإذا كانت الاستعارة كما ُت ْع َرف في الموروث
البلاغي إنما هي تشبيه حذف أحد طرفيه ،فإنه
فال ُحكم على جودة الفن الشعري لدي الناقد لا مشاحة أن تكون هناك ثمة (قرينة) تعوض
العربي بهذا المفهوم السابق(ُ ،)35حكم يعتمد على الاستعارة هذا العنصر الذي فقدته .ومع إعلاء
القاضي الجرجاني لدور الاستعارة في الشعر،
الذوق الخالص ،وتصور القاضي الجرجاني وعده لها أحد أعمدة الكلام إذ عليها ،كما يقول،
للشعر الجيد ،كما يذهب إلى ذلك إحسان عباس، المع ِّول في التوسع والتصرف “بها ُيتو َّصل إلى
هو ذلك التصور الذي يربط بين هذا الشعر وما تزيين اللفظ وتحسين النظم والنثر”( .)33فإ َّن
ُي َس َّمي بعمود الشعر ،وأ َّن الصنعة البديعية هي
الفارق الوحيد بين عمود الشعر وما هو خارج
عنه( .)36وكذلك يبين مما تقدم اهتمام الناقد