Page 192 - merit 48
P. 192

‫العـدد ‪48‬‬                           ‫‪190‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬                        ‫الإيراني يعاني الأمرين‪.‬‬
                                                                  ‫تلك الثورة التي آمن بها‬
   ‫الحروب الستة بين الدولة‬     ‫النفعي الرخيص مع مشاريع‬          ‫ملايين الإيرانيين في العام‬
      ‫والمليشيات الحوثية في‬            ‫الآخرين على حساب‬       ‫‪ ،١٩٧٩‬وصل الأمر بأبنائهم‬
     ‫صعدة‪ ،‬والتي استمرت‬                                        ‫وأحفادهم اليوم إلى مرحلة‬
                                     ‫سيادتهم وشخصيتهم‬             ‫الكفر بها‪ ،‬فالانتفاضات‬
‫خلال الفترة من ‪ ٢٠٠٤‬حتى‬        ‫الفريدة‪ ،‬حتى سقطوا فريسة‬         ‫تع ُّم إيران وتزداد دوراتها‬
‫‪ ،٢٠١٠‬كانت تقارير الأجهزة‬      ‫بيد حزب الله الإيراني‪ .‬كذلك‬       ‫عن ًفا وا ِّتسا ًعا منذ ‪٢٠٠٩‬‬
                               ‫كان حال الطبقة السياسية في‬     ‫و‪ ،٢٠١٩ -٢٠١٧‬وبات معها‬
     ‫الأمنية تشير إلى حركة‬                                     ‫صدر المرشد يضيق ليطلق‬
 ‫دؤوبة من مطار صنعاء إلى‬         ‫اليمن التي تلاعبت بالورقة‬       ‫عليهم صفة ذباب أمريكا‬
  ‫بيروت‪ ،‬ومنها إلى صنعاء‪،‬‬          ‫الإيرانية لابتزاز جيرانها‬      ‫وعملائها‪ ،‬فبنظر المرشد‬
                                  ‫والاسترزاق من خيراتهم‪،‬‬       ‫بات الشعب الإيراني عمي ًل‬
    ‫لمشاركة عشرات الشباب‬              ‫حتى كبرت وتشعبت‬
  ‫من محافظة صعدة (مركز‬                                                  ‫لأمريكا والغرب!‬
  ‫التمرد الحوثي) في دورات‬      ‫وخرجت عن السيطرة‪ ،‬لتعلن‬                ‫هذه قصة الشعوب‬
                                ‫طهران أن صنعاء‪ ،‬العاصمة‬       ‫وانتفاضاتها وخروجها بحثًا‬
    ‫تدريبية قتالية في بيروت‬                                     ‫عن الحرية‪ ،‬والخلاص من‬
‫تحت قيادة حزب الله‪ ،‬وكانت‬         ‫العربية الرابعة باتت تحت‬      ‫الظلم‪ ،‬والتوق إلى التغيير‪،‬‬
                                                ‫سيطرتهم‪.‬‬       ‫انتصا ًرا لحقوقها المسلوبة‪.‬‬
  ‫قيادة الدولة تغ ُّض الطرف‬                                        ‫ولكنها تكون كالقطعان‬
  ‫حيال هذه التحذيرات وفق‬       ‫وفي العام ‪ ٢٠٠٤‬كنت برفقة‬         ‫الهائمة على وجهها‪ ،‬تبحث‬
                                   ‫وزير الخارجية الأسبق‪،‬‬        ‫عن مخرج‪ ،‬وهي لا تدري‬
    ‫أجندتها الضيقة‪ ،‬فداخليًّا‬        ‫معالي الدكتور أبو بكر‬    ‫َأ ُتقاد إلى مزارع مليئة بالكلأ‪،‬‬
    ‫كان الرئيس صالح يتخذ‬                                             ‫أم إلى مقاصل الموت‪.‬‬
    ‫من هذه الحروب وسيلة‬           ‫القربي في زيارته لطهران‪،‬‬
  ‫للهروب من واقع الفوضى‬          ‫وهي الزيارة الثانية له فقد‬   ‫المدخل‪ ،‬فشل الدولة‬
   ‫والفساد الذي كان علامة‬
  ‫فارقة للمرحلة الأخيرة من‬         ‫سبق وزارها في ‪،٢٠٠٢‬‬             ‫مع مرور السنين‪ ،‬وفي‬
‫نظام حكمه‪ ،‬أما خارجيًّا فقد‬        ‫وكان السبب المعلن دائ ًما‬  ‫مدرسة الدبلوماسية اليمنية‬
  ‫كانت هذه الحروب ابتزا ًزا‬       ‫ليس هو ما ذكرته وسائل‬
 ‫وتخوي ًفا للجيران‪ ،‬وتحدي ًدا‬       ‫الإعلام الرسمية‪ ،‬ولكن‬        ‫تعلمت الكثير حول الدور‬
  ‫للمملكة العربية السعودية‪،‬‬     ‫هذه الزيارات كانت محاولة‬       ‫الإيراني التدميري في اليمن‬
  ‫من تمدد الحوثيين‪ ،‬إن هي‬      ‫لإقناع النظام الإيراني بإعادة‬  ‫في ظل فشل الدولة‪ ،‬وتواطؤ‬
                                 ‫النظر في سياساته المعادية‬
     ‫توقفت عن دعم نظامه‪.‬‬       ‫وعقلنة علاقاته باليمن‪ ،‬إلا أن‬      ‫النخب السياسية‪ ،‬والمال‬
  ‫وكلما كان الجيش اليمني‪،‬‬      ‫القيادة الإيرانية كانت ترفض‬       ‫المشبوه‪ ،‬الذي فتح الباب‬
 ‫ضمن تفويضه الدستوري‪،‬‬           ‫رف ًضا قاط ًعا قيامها بأعمال‬      ‫واس ًعا أمام تزايد النفوذ‬
                                 ‫تخريبية داخل اليمن‪ ،‬ومع‬          ‫الإيراني في اليمن‪ .‬فكما‬
     ‫يقترب من الإجهاز على‬       ‫الأسف كان الرئيس الأسبق‬         ‫أدرك اللبنانيون متأخرين‪،‬‬
       ‫الخطر الحوثي‪ ،‬كانت‬         ‫علي عبد الله صالح يف ِّضل‬     ‫أن نخبهم السياسية كانت‬
   ‫رئاسة الجمهورية تتدخل‬          ‫عدم الإفصاح عن التدخل‬           ‫وبا ًل عليهم في تجاوبها‬
   ‫س ًّرا للحفاظ عليه وتدعمه‬    ‫الإيراني في اليمن لحسابات‬
    ‫بالمال والسلاح اللازمين‬      ‫خاصة‪ ،‬فيما واصلت إيران‬
                                ‫حينها محاولاتها عبر قنوات‬
                ‫للاستمرار‪.‬‬     ‫مختلفة لشراء سكوت القيادة‬
  ‫وفي واقع الحال‪ ،‬فإن فشل‬
 ‫الدولة كان مدخ ًل لانهيارها‬                       ‫اليمنية‪.‬‬
 ‫اللاحق‪ ،‬وهذا ما قلته مرا ًرا‬        ‫لاح ًقا‪ ،‬وخلال سنوات‬
 ‫عبر تقييمي لتلك المرحلة في‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197