Page 62 - merit 48
P. 62

‫العـدد ‪48‬‬                ‫‪60‬‬

                                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫النقدية «وكأنها مجموعة ردود فعل نفسية حادة‬                ‫أمثال صلاح فضل وجابر عصفور‪« ،‬فهما لم‬
‫لا تسهم في تأصيل منهج أو إبراز سمات ظاهرة‬                 ‫يتجاوزا عبد الصبور ونازك الملائكة وعبد‬
                                                         ‫المعطي حجازي وأدونيس والسياب‪ ،‬وكأن‬
    ‫أدبية»(‪ ،)51‬وهي الملاحظات التي تبدو جلية من‬
 ‫خلال هذا الرد من طرف عبد الله كنون على بعض‬                             ‫الشعر وقف عند هؤلاء»(‪.)48‬‬
   ‫انتقادات عبد الرحمان الفاسي مشك ًكا في أخلاقه‬      ‫وبناء على ما أسهبنا فيه من محاولة قراءة متأنية‬
 ‫في قوله‪« :‬الأستاذ يريد منا أن نتحدث عن حياة‬
  ‫الغرام والمدام التي كان يحياها هؤلاء الأمراء‪..‬‬        ‫لفصول ومعطيات هذا الحوار الحدث‪ ،‬فإنه من‬
  ‫فنحن لا نريد أن نحدث الناس به‪ ،‬ونفضل أن‬               ‫الواجب ‪-‬ورغم معوقات التوثيق السالفة الذكر‬
                                                       ‫خلال المحور الأول‪ -‬أن نعرج على قراءة للردود‬
    ‫نعظ ونذكر‪ ،‬ونخلي هذا الجانب الخصب من‬               ‫و»المقالات» المناوئة سواء من حيث مضامينها أو‬
 ‫الأدب للناقد‪ ،‬فليجل فيه جولاته البهلوانية فما‬      ‫أسلوب المساجلة فيها‪ ،‬مع محاولة وضعها في سياق‬
                                                       ‫التطور الكرونولوجي لقواعد وأساليب المساجلة‪،‬‬
                                  ‫أولاها به»(‪.)52‬‬        ‫والتي عرفت بدورها تحولات جذرية خلال ما‬
     ‫وليس غريبًا في هذا الصدد أن يتبادر إلى ذهن‬      ‫عرفه المشهد الأدبي المغربي الحديث والمعاصر من‬
    ‫من يقرأ بع ًضا من هذه الشذرات‪ ،‬وغيرها كثير‬
   ‫ُمحبر بين أسطر المقالات النقدية النزالية في هذه‬                                  ‫صراعات نقدية‪.‬‬
  ‫الفترة‪ ،‬أن ثمة خصومات شخصية بين المقاليين‪،‬‬
‫وخصو ًصا حين يتجاوز النقد حدود المآخذ والتفنيد‬      ‫‪ -3‬حدود وأسلوب المساجلة‪:‬‬
   ‫والطعن إلى التهاجي وذكر العيوب والوقوف على‬            ‫بين النقد والشتم‬

                            ‫حافة السب والشتم‪.‬‬          ‫يقول محمد بنقدور الوهراني في معرض دفاعه‬
  ‫إلا أن ثمة تحول جذري في أسلوب المساجلة‪ ،‬ذلك‬       ‫عن صلاح بوسريف «كل ما يمكن أن يقال حول‬
 ‫الذي طبع الصراعات النقدية منذ مطلع الستينيات‬        ‫رأي صلاح بوسريف أو وجهة نظره يجب أن‬

       ‫والسبعينيات‪ ،‬حيث التزم كتابها حدود النقد‬         ‫يكون من جنس قول صلاح بوسريف‪ ،‬وفي‬
   ‫والتفنيد مع الوقوف عند حدود المنطق والاكتفاء‬        ‫سياق كلامه نفسه‪ ،‬بعي ًدا عن شخص القائل‬
 ‫بتقويم أقوال الغير بمعيار الخطأ والصواب‪ ،‬وذلك‬          ‫وحياته الشخصية‪ ،‬ومن يعتقد بأن صلاح‬
  ‫ورغم بعض السخرية لكن دون المساس بشخص‬                ‫بوسريف تجاوز في حق شعر شعراء بعينهم‬
    ‫الخصم‪ ،‬وهو ما توضحه‪ ،‬وعلى سبيل المثال لا‬         ‫كان من الأولى تسفيه الفكرة ونسخها بأخرى‪،‬‬

                         ‫الحصر‪ ،‬النماذج التالية‪:‬‬         ‫عوض استقصاد حياة الشخص والمس به‬
   ‫يقول محمد برادة في مقالة افتتاحية لم يضع لها‬      ‫وتجريحه»(‪ .)49‬ويعود بنا هذا التوصيف السابق‬
    ‫توطئة أو سيا ًقا حيث هاجم‪ ،‬ومنذ أولى كلماتها‬
‫محمد زنيبر في قوله‪« :‬يستحسن أن أسجل ابتدا ًء‪،‬‬            ‫‪-‬ولو ليس بنفس الحدة‪ -‬إلى العقد الثلاثيني‬
                                                        ‫والأربعيني على وجه الخصوص‪ ،‬والذي بلغت‬
      ‫أن الأستاذ محمد زنيبر لم يستوعب المقال‬        ‫سجالاته النقدية عن ًفا لفظيًّا كبي ًرا‪ ،‬مما جعل بعض‬
   ‫الذي كتبته بعنوان «عودة المثقفين»‪ ،‬إما لأنه‬      ‫الدارسين يشبهون مقالاتها النزالية بنقائض جرير‬
   ‫قرأه بسرعة أو لأنه كان يحمل فكرة مسبقة‪،‬‬
 ‫فاكتفى بالجزء الأول وانطلق ليهاجم المعجبين‬                                          ‫والفرزدق(‪.)50‬‬
   ‫بالثقافة الأوروبية إعجا ًبا تعبد ًيا‪ ..‬ومن أجل‬    ‫ولعل المتفحص في مقالات هذه الفترة‪ ،‬سيجد أنها‬
 ‫ذلك فإنني لم أكن أنوي مناقشة الصديق محمد‬             ‫عالجت في مجملها قضايا شكلية ولغوية بأدوات‬
‫زنيبر لأنني اعتبرته خار ًجا عن الموضوع‪ ،‬ومع‬         ‫النقيضة‪ ،‬فكان قوامها الهجو والسباب‪ ،‬وأساليبها‬
 ‫ذلك ارتأيت أن أفترض صحة ما نسب إل َّي‪ ،‬وأن‬
 ‫أناقشه في الأحكام المسبقة التي أراد أن يطرحها‬          ‫بلاغية بنيت على الاستفهام والتعجب وضرب‬
                                                     ‫المثل والعبث بالألفاظ‪ ،‬وأهدافها التهكم والسخرية‬
                                 ‫للمناقشة»(‪.)53‬‬
                                                       ‫والتوبيخ والتحقير‪ ،‬وهو ما ُيظهر هذه المقالات‬
   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67