Page 57 - merit 48
P. 57

‫‪55‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫إلا أنه‪ ،‬ورغم انتفاء شروط وسياقات الصراع‬         ‫والترويج للجديد‪ ،‬وهو الامر الذي جعل مضامينه‬
 ‫بين الشبان والشيوخ‪ ،‬والذي جعل أغلب المقاربات‬           ‫لا تحيد عن دائرة هدم القديم والترويج للجديد‪،‬‬
   ‫النقدية ومواضيعها تدور في دائرة دحض القديم‬
‫والترويج للجديد‪ ،‬فقد انطلقت شرارة حرب كلامية‬         ‫وهو ما تؤكده مقالة نقدية لسعيد حجي يبارك فيها‬
                                                      ‫«اللذغات البريئة» التي شرع محمد بلعباس القباج‬
   ‫أوقد فتيلها مقال لعبد الرحمان الفاسي حلل فيه‬
    ‫كتاب «أمراؤنا الشعراء» للعلامة عبد الله كنون‪،‬‬        ‫في نفث سمومها بمقالات متتابعة على صفحات‬
 ‫والذي لم يستحسن هذا النقد‪ ،‬فكتب ر ًّدا يبطل فيه‬     ‫مجلة المغرب‪ ،‬فيقول‪« :‬صديقي ابن عباد‪ :‬أحسنت‬
 ‫مآخذه وينتصر لمنهجه‪ ،‬وكتب الفاسي مقالة ثالثة‬
                                                            ‫والله إذ عزمت أن تأخذ بيدك معول الهدم‬
                 ‫عقب عليها كنون بمقال آخر»(‪.)20‬‬       ‫وتقصد هذه الصور البالية الجامدة من حياتنا‬
     ‫لم تقتصر هذه المعركة النقدية على كل من عبد‬       ‫التي توالى سباتها وهي تتزعم تفكيرنا وأدبنا‪..‬‬
      ‫الله كنون وعبد الرحمان الفاسي‪ ،‬بل اتسعت‬         ‫فطريقة النقد التي أخذت اليوم بأسبابها وتفكر‬
  ‫رقعتها لتشمل محمد بن تاويت التطواني‪ ،‬والذي‬         ‫في الاتجاه إليها هي الوسيلة الوحيدة لكي نمهد‬
    ‫كتب مقالة تحت عنوان «نظرة عابرة على كتاب‬
   ‫النبوغ المغربي لعبد الله كنون» ضمنها جملة من‬             ‫للمستقبل نو ًعا من الإنتاج الصحيح»(‪.)18‬‬
   ‫المآخذ على الكتاب‪ ،‬وهو ما دفع بالعلامة إلى الرد‬      ‫أما في منتصف الأربعينيات وبداية الخمسينات‪،‬‬
    ‫عليها عبر مقالة نقدية خلدت بوسمها «إن كنت‬
  ‫ري ًحا‪ ،‬فقد لاقيت إعصا ًرا»(‪ )21‬شراسة تلك المعارك‬          ‫فقد انطلقت شرارة أعنف صراع نقدي على‬
      ‫النقدية في هذه الفترة‪ ،‬حيث لم يترك عبد الله‬    ‫صفحات جريدة العلم‪ ،‬ووفق منظور جديد بعيد عن‬
  ‫كنون الفرصة تمر دون أن يسلط سهام نقده هو‬
   ‫الآخر إلى منتقده‪ ،‬فيوجه إليه بعض المآخذ حينًا‪،‬‬       ‫الصراع بين الجديد والقديم؛ ولعل من بين أبرز‬
   ‫ويقابل السخرية بمثلها في مواطن كثيرة؛ ونذكر‬        ‫أسباب هذا التحول هو أن النقاد والشعراء في هذه‬
   ‫من بين أبرز هذه المآخذ اعتماد بن تاويت في جل‬
 ‫كتاباته على مؤلفات من ينتقده‪ ،‬وعدم إتقانه للغات‬        ‫الفترة «كانوا مرتبطين عضو ًّيا بطبقة واحدة‬
  ‫الأجنبية‪ ،‬هذا وبالإضافة إلى جهله بعلم العروض‪،‬‬           ‫على عكس ما كان عليه النقاد والشعراء في‬
‫ومن ذلك قول عبد الله كنون‪« :‬لا نبالغ إذا قلنا إن‬
 ‫ثلاثة أرباعه منقولة من كتابنا‪ ،‬والرابع الباقي‬       ‫الثلاثينيات‪ ،‬كما كانوا ينهلون من ينابيع ثقافية‬
   ‫من كتاب الدكتور هيكل‪،‬‬                                ‫واحدة‪ ،‬ولذلك كان الخلاف بينهم في القضايا‬
 ‫بحيث لو قيل لمضمون ذلك‬                                 ‫الأدبية والنقدية بسي ًطا وجزئ ًّيا»(‪)19‬؛ كما تجد‬
    ‫الكتاب ارجع إلى مظانك‬                                 ‫الإشارة هنا إلى أنه‪ ،‬وفي مرحلة ما بعد الحرب‬
     ‫وأماكنك لما بقي فيه إلا‬                            ‫العالمية الثانية‪ ،‬فقد تجاوزت مقالات النقد الأدبي‬
 ‫أوراق بيضاء ناصعة‪ ..‬أما‬                                 ‫ذلك الصراع بين الشباب والشيوخ‪ ،‬وانشغلت‪،‬‬
  ‫الإنجليزية التي يقول إنه‬                              ‫وبحافز سياسي وأيديولوجي يسعى إلى صياغة‬
 ‫درسها هناك‪ ،‬فقد تبين لنا‬                                               ‫هوية وطنية لمقاومة المستعمر‪،‬‬
  ‫مدى إلمامه بها لما كنا م ًعا‬                                              ‫بالكتابة عن التراث الأدبي‬
‫في باريز‪ ،‬ولم تنقذه حتى في‬                                             ‫والتذكير به‪ ،‬هذا وبالإضافة إلى‬
‫طلب طعام الفطور من عمال‬                                                ‫كون السياق النقدي العام آنذاك‬
    ‫الفندق‪..‬أما علم الأستاذ‬                                               ‫بدأ يعرف توج ًها حثيثًا نحو‬
   ‫بالعروض من منابعه أو‬                                               ‫النبش في هذا الأدب بغية العثور‬
  ‫بوالعه‪ ،‬فقد عهدناه يكسر‬                                              ‫على إجابات وحلول لمصطلحات‬
                                                                     ‫جديدة على المشهد الأدبي المغربي‪،‬‬
                                                                            ‫وهي مفاهيم ومصطلحات‬
                                                                           ‫فرضتها الإرهاصات الأولى‬
                                                                       ‫لولادة أجناس أدبية جديدة من‬
                                                                        ‫قبيل القصة والرواية والمسرح‬
                                                                                             ‫والمقالة‪.‬‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62