Page 53 - merit 48
P. 53

‫‪51‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                        ‫هشام هلالي‬

                                                        ‫(المغرب)‬

         ‫هل يوقد بوسريف‬
    ‫و»خصومه» نار سجالات‬

              ‫طال إخمادها؟‬

        ‫ثمة ملاحظة قد تسترعي كاتب هذه الورقة ومتلقيها على حد سواء‪،‬‬

    ‫فتجعل من واقع الحال يفرض علينا أن نضع ‪-‬وفي ظل هذه الاستباحة‬

       ‫المفرطة لمنصات كان يفترض من خلالها التواصل الاجتماعي ونشر‬
        ‫ثقافة الحوار والجدال المتحضر‪ -‬تساؤ ًل عري ًضا أمام هامات كبرى‬

        ‫شيدت‪ ،‬وعل مر السنين‪ ،‬صر ًحا أدب ًّيا ونقد ًّيا عظي ًما‪ .‬أليس من شأن‬
        ‫هذه الملاحظات النقدية على صفحات هذه المنصات أن تدفع بعجلة‬

     ‫النقد نحو أزمات متجددة تمزق شرايينه وتضيع أصوله ومناهجه في‬

    ‫متاهات عوالم افتراضية قد تفتقر الكثير من الممارسات النقدية فيها إلى‬

     ‫أبسط شروط العلمية‪ ،‬كما لا تضع لها رقي ًبا لحدود المساجلة النقدية‬
                                                        ‫وأساليبها‪ ‬وآدابها؟‬

 ‫الاستقلال‪ ،‬وهي تحولات برزت بشكل لافت سواء‬            ‫المقال النقدي السجالي أو النزالي لو ًنا‬       ‫يعتبر‬
 ‫من خلال مضامينها والتوجهات النقدية لمحرريها‪،‬‬      ‫من ألوان المقال الأدبي الذي يعالج ثورة‬
                                                   ‫المعارك الأدبية والفكرية بين الأدباء‪ ،‬كما‬
                  ‫أو خصائصها الفنية والجمالية‪.‬‬     ‫قد ُيعبر ‪-‬وتحت تأثير سياقات سياسية‬
  ‫لقد فتحت «اللذغات البريئة(‪ )1‬لمحمد بن العباس‬      ‫أو أيديولوجية‪ -‬عن الصراعات المختلفة‬
‫القباج الباب على مصراعيه لأول صراع أدبي نقدي‬       ‫التي يعج بها المجتمع؛ وقد عرفت المقالة‬
‫في المغرب بين الشيوخ والشباب تحت يافطة دحض‬
‫القديم والترويج للجديد‪ ،‬ولتتلوه بعد ذلك صراعات‬          ‫النزالية في المغرب تطورات بارزة منذ بداياتها‬
                                                      ‫الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي مجسدة بذلك‬
      ‫أخرى أشد عن ًفا يعالج أطرا ُفها قضايا شكلية‬  ‫أول صراع أدبي نقدي بين الشيوخ والشبان‪ ،‬وهو‬
    ‫ولغوية عبر مقالات نزالية توثق لأعنف معركة‬       ‫الصراع الذي ش َّكل أولى إرهاصات التطور النقدي‬
    ‫نقدية في المغرب أواخر الأربعينيات‪ ،‬وحيث كان‬
 ‫العلامة عبد الله كنون وعبد الرحمان الفاسي أبرز‬         ‫في مغرب كان لا يزال يتلمس دروب نهضته‪،‬‬
                                                       ‫ولتتلو ذلك مقالات نزالية جسدت بشكل دقيق‪،‬‬
                                       ‫أطرافها‪.‬‬    ‫ومن خلال تحولاتها الجذرية‪ ،‬معالم المشهد الأدبي‬
  ‫استمرت مظاهر هذا الصراع بعد حصول المغرب‬             ‫النقدي خلال الفترة الاستعمارية وعقود ما بعد‬
‫على استقلاله من براثن الاستعمار الغاشم حيث قاد‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58