Page 51 - merit 48
P. 51

‫‪49‬‬               ‫إبداع ومبدعون‬

                 ‫رؤى نقدية‬

‫عبد الملك مرتاض‬                 ‫سعيد يقطين‬           ‫الألوان في انسجامها أو تنافرها‪ ،‬وهي من سمات‬
                                                         ‫الفن التشكيلي‪ .‬لا يتركنا الكاتب «نضبش» في‬
  ‫نقاط مسكوت عنها‪ ،‬تراكمت في الحضارة العربية‬
‫الإسلامية وأفسدتها‪ ،‬إنه يدين كل فكر ظلامي خانق‬        ‫هذا العماء محكم الصنع‪ ،‬بل يمد لنا يد المساعدة‬
                                                                    ‫بعناوين تمثل علامات إرشادية‪.‬‬
                                        ‫للحرية‪.‬‬
     ‫في رواية الغميضة تتجه أصابع الاتهام إلى كل‬    ‫لكن القارئ يقع في حبائل السارد‪ /‬والكاتب حينما‬
‫سلطة تزيف وعي الإنسان‪ ،‬وتعمل بطريقة ممنهجة‬              ‫يختار كيميا‪ ،‬فإن وجهة السارد هي مقام ابن‬

              ‫على تشويش الوعى الجمعي وتغيبه‪.‬‬         ‫الرومي‪ ،‬ثم تتحول الرحلة عبر الفانتازي وأحلام‬
        ‫لا يمكن الانتهاء من الحديث عن «كيميا» إلا‬      ‫اليقظة إلى الاهتمام بحكاية أخرى تتشابك فيها‬
  ‫بالإشارة السريعة للأحلام‪ ،‬وخاصة الأحلام التى‬         ‫الحكايات‪ ،‬وتتوه‪ ،‬بل تمحى‪ ،‬من التأريخ لحياة‬
      ‫أطلق عليها السارد «الأحلام الصافية»‪ ،‬والتي‬        ‫ابن الرومي‪ ،‬وعلاقته بشمس الدين التبريزي‪،‬‬
  ‫تجعلنا في حضرة علم النفس الإكلينيكى بنظرياته‬
 ‫وأقوال علمائه‪ ،‬ليطالعنا السارد بأن ما رآه لم يكن‬  ‫علاقة يجعلها الروائي ملتبسة‪ ،‬تتعدد فيها الدلالات‬
  ‫حل ًما من أحلامه التى اعتاد أن يستحضرها‪ ،‬حين‬        ‫السلبية صراحة‪ ،‬وخاصة أنها تجرى على لسان‬
 ‫يتهيأ له الظرف والمكان والحالة النفسية‪ ،‬يستشعر‬       ‫الابن الأصغر لابن الرومي ‪-‬علاء الدين‪ -‬وبد ًل‬
‫المتلقي أنه بين حكايات ومشاهدات وأزمنة متداخلة‪،‬‬       ‫من كتابة تقرير عن احتفالية ابن الرومى‪ ،‬يكتب‬
    ‫مخاتلة للوعي البسيط‪ ،‬قادرة على هز كل ما هو‬       ‫عن «كيميا»‪ ،‬ويسعى السارد لفك لغزها‪ ،‬ومعرفة‬
    ‫ثابت‪ ،‬بحثًا عن الحقيقة‪ ،‬متوس ًل في ذلك حكاية‬                                         ‫مصيرها‪.‬‬
   ‫«علاء الدين» ابن جلال الدين الرومى ومحبوبته‬       ‫يستهل الكاتب روايته بالأحلام‪ .‬لديه القدرة على‬
‫«كيميا»‪ ،‬فالبحث عن الحقيقة يسلمنا إلى أن الحقيقة‬       ‫استدعائها وقتما يشاء‪ ،‬فالأحلام لها دورها في‬
    ‫نسبية ومراوغة‪ ،‬وعلينا إعادة القراءة ثانية‪ ،‬كى‬
‫نكتشف مخبوء هذه النصوص القائمة على النبش في‬         ‫حياته‪ ،‬لكن السرد يستغل درامية الحلم ومنطقيته‪،‬‬
                                                   ‫ليشعر المتلقي أنه أمام حلم ممتد على طول الرواية‪.‬‬
              ‫ذاكرة الأمة‪ ،‬وما استقر في ضميرها‬
                                                                      ‫هل هو حلم‪ ،‬أم حقيقة واقعية؟‬
                                                        ‫تتصدر «كيميا» اهتمام الخطاب السردى‪ ،‬إنها‬
                                                      ‫الرواية والمروي عنها‪ ،‬ويتحول الهامش إلى متن‪،‬‬
                                                     ‫حيث يعقد سجال حاد تارة‪ ،‬وهادئ تارة أخرى‪،‬‬

                                                          ‫بين الآني والماضي‪ ،‬بين الفعل الإنساني في‬
                                                     ‫تجليه الرافض والضغط لما يتلفع بالديني‪ ،‬ويأخذ‬
                                                    ‫شرعيته‪ ،‬وهيمنته وسلطته منه‪ ،‬وندرك أن المسألة‬

                                                       ‫ليست بحثًا عن قبر‪ ،‬بقدر بعث أمة من رقادها‪،‬‬
                                                   ‫وإطلاق وعي ُكبِّل من قرون‪ ،‬والاعتماد على قراءات‬

                                                       ‫ودراسات‪ ،‬وإن بدا كل ذلك عفو ًّيا‪ ،‬ومتس ًقا مع‬
                                                                                 ‫الخطاب السردي‪.‬‬

                                                   ‫إن البحث في تاريخ وحضارة أمة اعتمدت على نص‬
                                                   ‫ديني تم تشويهه‪ ،‬أو استغلاله‪ ،‬لفرض فكر اصطبغ‬
                                                   ‫بالأحادية والحدية‪ ،‬ورفض النقاش أو تعدد الرؤى‪،‬‬

                                                     ‫يجعل من الحاضر امتدا ًدا لما ٍض يدينه وليد علاء‬
                                                                                            ‫الدين‪.‬‬

                                                   ‫الحكاية تخرج من زمنها إلى أزمان متعددة‪ ،‬وتتنقل‬
                                                        ‫بين أماكن عدة‪ ،‬ويلعب السارد الضمني دو ًرا‬

                                                   ‫جريئًا‪ ،‬فيتحدث عبر مشاهداته وجولاته‪ ،‬مشي ًرا إلى‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56