Page 49 - merit 48
P. 49
السرد عليه أن ينسف الحدود بين
السارد والمتلقى والكاتب ،فأنت
تسمع صوت الكاتب متخف ًيا وراء
السارد ،والسارد قد يتمرد على
الكاتب ،وإذا أرهفت السمع فقد
يصلك صوت المتلقى ،هذه التقنية
أبعدت رواية الغميضة من أن تصنف
"مسرواية" كالتى قدمها توفيق
الحكيم في القرن الفائت ،فاللعبة
هنا ليست مزاوجة بين نوعين، وليد علاء الدين
لكنها نسف حدود النوعين ،فتقدم والشكوك حول شخصية جلال الدين
لنا ما سميته "تفاعل الأنواع". الرومي ،حين تجد سبي ًل حال ًكا أرح
ضميرك ،ضع شاهدة الضريح ،أغرسها
هنا في قلب مقبرة قاتليها ،دع الناس
تمثل «الغميضة» تفاعل الأنواع في أوضح تجلياته، يعرفون قتيلة مولانا ،اغرس السؤال
حيث يعتمد الكاتب على المشهدية ،والمونتاج ،والتبئير بين صدورهم ،ضع بذرة الفكرة ،ولا شك سوف
تنبت فيعرف البشر أن حياة فتاة -على بساطتها-
السينمائي ،ورؤية عين الطائر من فوق المشهد، فوق كل دين ،وقبل كل معبود ،اغرس شاهدة قبرك
من فن السينما ،وفنون الفرجة الشعبية :الأراجوز،
وارحل إلى ديارك ،فإنك أتممت الرسالة».
وخيال الظل ،والمسرح الأسود ،وأي ًضا استلهام الرواية ليست زيارة لقبر جلال الدين الرومي ،بل
مسرح بريخت ،كسر الحائط الرابع ،التفاعل هي بحث عن فتاة أغفلتها كتابات الرومي ،وصاحبه
الشديد مع وسائط السوشيال ميديا ،تطويع الفنون التبريزي ،إنها رواية حياة وليست رواية موت،
التشكيلية ،وفنون التلاوة من أصوات كبار القراء رواية بعث للهمم ،وغرس للأسئلة ،لا مشاهدة
المصريين :الشيخ الحصري ،والشيخ عبد الباسط،
وكتابات المقريزي ،والاعتماد على أسلوب الحكاية لحفلات الدروشة.
في «الغميضة» ستجد السارد قاب ًضا علي الأحداث،
الشعبية ،والإشارة إلى أغاني المهرجانات ،والحضور فهو المخرج للمشهد بالكامل ،هو الذى وجه كل من
الطاغي لآليات المسرح ،فالأحداث -وإن كانت تمثل ظهر على المسرح ،بحضور فن الفرجة الشعبية،
حل ًما كابوسيًّا للطفل والطفلة -إلا أنها تدور على والتنقل بين المهرجين واللاعبين ،واقتطاع حكايات
خشبة المسرح ،الكل يقوم بدوره ،حسب إرشادات
من سياقها التاريخي ،وتوظيفها داخل النسيج
القصصي تأكي ًدا على ما يريد بثه في خطابه الدلالي ،وتوجيهات المؤلف /نقصد المخرج.
نلمح أصداء من «منامات الوهراني» في الحديث عن متخطيًا لعبة الغميضة التى يمارسها الأطفال ،إلى
الفرق الفكرية والدينية ،وتصارعها المحتدم ،بيما لعبة يتورط فيها الكبار ،يدين فيها رجال الدين
يفكك الخطاب في الغميضة هذا الصراع لمعرفة علة المزيفين لوعي البشر ،ويبدو أن الكاتب معن ٌّي بفضح
الحاضر ،كاش ًفا عن التكلس الفكري الذي أصاب كل ما يغيِّب وعي الانسان ،داعيًا إلى تمرده.