Page 48 - merit 48
P. 48

‫العـدد ‪48‬‬   ‫‪46‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫الرواية من مداخل متعددة‪ ،‬مرد ذلك كسر حاجز‬               ‫سجيتها مع هذه اللعبة‪ ،‬كأن السارد يلعب مع‬
  ‫النوع الأدبي بشدة‪ ،‬وتفاعل الأنواع الأدبية داخل‬                                ‫القارىء لعبة الغميضة‪.‬‬

                                 ‫البنية السردية‪.‬‬        ‫يكتب وليد علاء الدين‪ ،‬دون التزام بحدود النوع‬
   ‫غواية التجريب السردي واحدة من السمات التي‬           ‫الأدبى ‪-‬هل ثمة اهتمام بنقاء النوع الأدبى؟‪ -‬لكنه‬
    ‫لعب عليها الكاتب في كتاباته السابقة في روايتى‬      ‫حينما يختار الرواية كتجربة‪ ،‬يدرك أن فن الرواية‬
                                                      ‫قادر على استيعاب هموم المجتمع‪ ،‬والتهيؤ لكتابتها‪.‬‬
                           ‫«كيميا» و»الغميضة»‪.‬‬          ‫لا يلزم الكاتب الاستعداد المسبق لمعرفة الوزن أو‬
   ‫رواية الغميضة ذات بنية مكثفة‪ ،‬أعدها «نوفيلا»‬         ‫التفعيلة‪ ،‬وليد علاء الدين يعرف ذلك تما ًما‪ ،‬بحكم‬

       ‫حيث يبلغ عدد صفحاتها مئة صفحة وسب ًعا‬              ‫أنه شاعر قبل أن يكون قا ًّصا وروائيًّا‪ ،‬ويعرف‬
‫يصدرها السارد الضمنى بقوله‪« :‬هذه ليست رواية‪،‬‬             ‫تقنيات المسرح‪ ،‬وروح الدراما السارية فيه‪ ،‬فقد‬
                                                       ‫كتب مسرحيات‪ ،‬فما المانع من أن يقدم أعما ًل تفيد‬
  ‫إنما مسرحية خبأتها في جسد رواية‪ ،‬لقد خدعتك‪،‬‬           ‫من المسرح والشعر والتاريخ والواقع‪ ،‬تفوح منها‬
       ‫يمكنك أن تقرأ لتكتشف بنفسك أو انزع هذه‬          ‫روح الرواية‪ ،‬ويسرى في نسغها‪ ،‬هذا الجنس الذى‬
                                      ‫الصفحة»‪.‬‬
                                                                          ‫صار موض ًعا لاهتمام القراء؟‬
‫في الغميضة‪ ،‬يلعب الطفل والطفلة لعبة «الغميضة»‪،‬‬           ‫دلف وليد علاء الدين إلى «كيميا» من باب الواقع‬
 ‫أو كما كنا نطلق عليها ونحن صغار «الاستغماية»‪،‬‬           ‫والتسجيل للحظات عاشها بالفعل‪ ،‬البداية مهمة‪،‬‬

      ‫إلا أننا نبحر في عالم تختلط فيه المياه‪ ،‬وتتعدد‬        ‫عملية‪ ،‬تقترب من البحث الاستقصائى‪ ،‬وأدب‬
 ‫الجداول‪ ،‬لنجد أنفسنا في النهاية أمام شلال هادر‪،‬‬       ‫الرحلات‪ ،‬زيارة قبر جلال الدين الرومي بمناسبة‬
                                                      ‫إعلان اليونسكو مئوية جلال االدين الرومي الثامنة‪،‬‬
                             ‫فماذا نحن فاعلون؟‬
  ‫الرواية كتاب الحياة كما قال د‪ .‬ه‪ .‬لورانس‪ ،‬فهى‬          ‫تغطية وقائع وأحداث هذه الاحتفالية‪ ،‬هي رحلة‬
                                                       ‫بين الآني الواقعي‪ ،‬والتاريخي‪ ،‬والصوفي‪ ،‬وتفكيك‬
    ‫تتسع باتساع العالم‪ ،‬هنا سنجد الكاتب حاض ًرا‬         ‫تقديس المقدس‪ ،‬وأسطرة الأحداث عبر الفانتازيا‪،‬‬
   ‫كسارد‪ ،‬قاد ًرا على تناول الحدث‪ ،‬أحلامه المحققه‬       ‫والحلم‪ ،‬وثمة توالد بين الحكايات‪ ،‬مستله ًما البناء‬
    ‫والمتنبئة‪ ،‬بل المحرضة والموجهة لعالمه السردى‪،‬‬      ‫في رائعة «ألف ليلة وليلة»‪ ،‬والمخاطبات‪ ،‬والرسائل‬
   ‫وقراءته واكتشافاته‪ ،‬ورحلاته المتعددة‪ ،‬والوقائع‬
                                                             ‫المتبادلة بين السارد‪ /‬الكاتب الضمني وبين‬
      ‫السياسية من منظور مخالف للمتعارف عليه‪،‬‬               ‫الأصدقاء والباحثين‪ ،‬كل ذلك يؤدي إلى تناول‬
   ‫وقراءة للتاريخ ممنهجة في طريق بعينه‪ ،‬وخلخلة‬
    ‫فكرة التصوف‪ ،‬والصوفية المتغلغلة في النفوس‪،‬‬

     ‫وحضور حوار الحضارات في صورة صدامية‪.‬‬
    ‫تدير الرواية ظهرها للتاريخ المحقق‪ ،‬في سعيها‬

        ‫لتقديم وجه آخر‪ ،‬صورة مغايرة‬
        ‫بمساءلة المتواتر في كتب التاريخ‬
  ‫والنصوص الأدبية‪ ،‬لتبدأ دراميتها بهذا‬
    ‫الحلم المحفز والمنبئ‪ ،‬هو نقطة يرتكز‬
   ‫عليها الخطاب السردي‪ ،‬حلم يستغرق‬
‫قرابة الصفحات الثلاث‪ ،‬كتبت بفنط وخط‬
 ‫مغايرين‪ ،‬تأكي ًدا على أن هذه بنية دخيلة‬
‫على خطابه السابق أو اللاحق‪« .‬لم أعرف‬
  ‫إن كان زلزا ًل حقيقيًّا ما شعرت به‪ ،‬أم‬
  ‫أنه نتيجة الاندماج في الكتابة‪ ،‬بدا الأمر‬
  ‫كإرهاص بما سيحدث‪ ،‬فالحلم كاشف‬
 ‫ومحرض‪ ،‬كى يغرس الكاتب التساؤلات‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53