Page 56 - merit 48
P. 56

‫النقدية في المغرب‪ ،‬على العلاقة الوطيدة بين‬                  ‫في خضم التحولات السياسية‬
  ‫السياق الحضاري وبكل مكوناته السياسية‬
 ‫والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية‬                ‫والثقافية‪ ،‬والمتلفعة في جوانب‬
 ‫والأدبية والنقدية‪ ،‬وبين التطور النقدي سواء‬
                                                             ‫كثيرة منها برداء يساري ثوري‬
    ‫على مستوى الدراسات والكتب النقدية أو‬
  ‫ما ُتحبره أقلام العديد من الكتاب من خلال‬                 ‫شكل أرضية خصبة لظهور النقد‬
‫المقالات الأدبية النقدية المنشورة عبر الصحف‬
 ‫والمجلات‪ ،‬وهو ما ذهب إليه عبد الله بن عتو‬             ‫السوسيولوجي في المشهد الأدبي‬
  ‫في قوله‪« :‬ولعل خطورة الممارسة النقدية‬
‫المنهجية تتجلى في ارتباطها الحميم بالإطار‬                 ‫والنقدي المغربي‪ ،‬انطلقت شرارة‬

      ‫الحضاري‪ ،‬إذ لا تكمن في مدى جدتها‬                   ‫أعنف وأطول وأسخن سجال نقدي‬
‫وجديتها وعمقها فحسب‪ ،‬بل تكمن ‪-‬إضافة‬
                                                      ‫شهدته الساحة الأدبية النقدية في‬
       ‫إلى ذلك‪ -‬في مدى استجابتها لحركة‬
  ‫الواقع المعيش وتلبية حاجاته الأساسية‬                    ‫المغرب‪ ،‬وهو صراع أجمع العديد‬

      ‫المستجدة المتغيرة‪ ،‬فالثقافة المنشودة‬                ‫من النقاد والدارسين على هيمنة‬
   ‫وضمنها الممارسة النقدية‪ ،‬هي تلك التي‬
                                                            ‫الجانب السياسي‪ ‬على‪ ‬سجالاته‪.‬‬
       ‫تسهم في حل الإشكاليات الحضارية‬
                                ‫للأمة»(‪.)16‬‬          ‫النقدي أمام أزمات قد تحد من مسيرة تطوره‪ ،‬وهو‬
                                                       ‫ما ذهب إليه الدكتور عبد السلام فيزازي في إطار‬
    ‫إن المتأمل في أغلب السجالات الأدبية التي‬            ‫تساؤلاته عن حصيلة الصراع النقدي السبعيني‬
   ‫شهدتها الساحة النقدية في المغرب الحديث‬               ‫وآثارها على تطور النقد المغربي فيقول‪« :‬والذي‬
   ‫والمعاصر سيجد أن ثمة عام ًل أساسيًّا محد ًدا أو‬      ‫يهمنا من هذا كله هو الصراع النقدي الأدبي‪.‬‬
    ‫أخرى مختلفة تضافرت متساوقة لخلق أرضية‬                ‫فهل اتساع دائرة الصراع بهذه الصورة كان‬
                                                      ‫من شأنه أن يساهم في تطوير الحركة النقدية‪،‬‬
      ‫مناسبة لإشعال نار السجالات الأدبية‪ ،‬والتي‬          ‫وخدمة النصوص الأدبية بصدق وأمانة‪ ،‬أم‬
    ‫نشبت بداياتها الأولى بين الشيوخ وعلى رأسهم‬         ‫أنه ظل صرخة في واد‪ ،‬أم أن مخفضاته‪ ،‬فترت‬
    ‫الشنجيطي وبين الشبان الذين يتزعمهم كل من‬            ‫نسب ًّيا بإفراز حصيلة من الأحكام الارتجالية‬
 ‫محمد عباس القباج وسعيد حجي وعبد الله كنون‪،‬‬               ‫والذاتية‪ ،‬أدت إلى تعويق مسيرته‪ ،‬وحالت‬
 ‫وهو صراع شكلت المثاقفة مع المشرق أحد سماته‬           ‫دون تمثله لمناهج رصينة وجادة لها مقاييسها‬
                                                                                    ‫وقواعدها؟»(‪.)15‬‬
      ‫«مما جعله شبي ًها بصورة كبيرة بالصراع‬
     ‫المشرقي بين أعلام مدرسة الديوان والأدباء‬        ‫‪ -2‬العوامل المساهمة في بروز السجال‪:‬‬
     ‫الكلاسيكيين من أمثال أحمد شوقي وحافظ‬                   ‫من السياق إلى المضمون‬

                                   ‫إبراهيم»(‪.)17‬‬            ‫لعل من نافلة القول أن نؤكد‪ ،‬وقبل الشروع‬
     ‫كما أنه لا يمكن‪ ،‬وبأي حال من الأحوال فصل‬             ‫في بسط العوامل المساهمة في بروز السجالات‬
    ‫هذه الثورة الأدبية النقدية عن مثيلتها في المجال‬
     ‫السياسي والفكري والتي قادها التيار الوطني‬
‫الإصلاحي ضد واقع مغربي متخلف في تلك الفترة‬
  ‫من عصر النهضة‪ ،‬وبقيادة ثلة من الشباب أمثال‬
      ‫علال الفاسي وعبد الخالق الطريس وبلحسن‬
   ‫الوزاني وغيرهم‪ ،‬وهو الأمر الذي جعل الصراع‬
  ‫الأدبي الثلاثيني لا يخرج عن دائرة دحض القديم‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61