Page 58 - merit 48
P. 58
العـدد 48 56
ديسمبر ٢٠٢2
ونعيش مع مجتمعنا في عشرة صادقة .فربما الأشعار التي تقع في كتاباته تكسي ًرا فظي ًعا،
تفتقت أقلامنا بأدب حي يحمل طابع الجدة ويبدد شمل النظم تبدي ًدا»(.)22
الحقيقية»(.)26
وقد كان للتطورات الجذرية التي عرفها المغرب،
استغل محمد برادة فرصة رده على محمد زنيبر وعلى كل الأصعدة بعد تخلصه من براثن الاستعمار
ليثير نقا ًشا حقيقيًّا ،وبأسئلة متناسلة وأكثر عم ًقا
الغاشم ،واستنشاقه نسيم الحرية والاستقلال،
وهو ُيحول الإشكال من هذه النزعة -موضوع دور أساسي في تغير المشهد الثقافي والأدبي عمو ًما
النقد السابق -نحو الاهتمام بالأدباء والمفكرين
الغربيين ،إلى مدى قدرة المجتمع المغربي والعربي والفن المقالي بشكل خاص ،والذي انتشر انتشا ًرا
عمو ًما على إنشاء حضارة بمعزل عن الحضارة لافتًا منذ بداية الستينيات ،وذلك بعد نزوع العديد
العالمية ،ومن ثمة تجاهل ذروة الرقي الإنساني من رجال الفكر والثقافة والأدب المغاربة إلى إصدار
في تسلسله وتفاعلاته ،والانطلاق من الصفر؛
ولعل هذا التوجه في المناقشة هو ما جعله يخاطب العديد من المجلات ،والتي حاولت ،ومن خلال
قارئ مقالته ،وفي نهايتها في قوله« :لعل القارئ عديد مقالاتها رسم معالم ثقافية وأدبية ونقدية
لاحظ أنني لم أتقيد في ردي بتتبع الأفكار التي لمغرب جديد مستقل كان ه ُّم مقالييه طيلة خمسة
عقود صياغة هوية وطنية لمجابهة المستعمر ،وهو
ساقها الصديق زنيبر ،وأنني آثرت تعميم السياق الجديد الذي عجل ببروز تحول جذري
القضية وربطها بالأصداء المشابهة لها في العالم في السجالات النقدية ،والتي اهتمت في جوهرها
بمناقشة قضايا أدبية وفكرية وثقافية تشابكت
العربي»(.)27 خيوطها الناظمة في تدبير هذه المرحلة الستينية،
وعلى نفس الوتيرة جاء رد الناقد محمد زنيبر، والتي بدأت تعرف نقاشات جادة حول سبل إنعاش
والذي كتب في العدد الموالي من المجلة ،وعلى نفس
صفحتها الأولى مقالة وسمها بـ»كان من الواجب الحياة الثقافية المغربية والخروج من الجمود
احترام الموضوع وصيانته من العبث»( ،)28والتي الفكري بين التماهي مع التيارات الغربية المتلاحقة
ظهر جليًّا مدى غضبه مما جاء في الرد السابق
لمحمد برادة على مقالته الأولى ،وعلى اعتبار أنه لم وبين العودة إلى المجتمع المغربي.
يكن يقصده هو بالنقد ،وإنما كان مثا ًل لكثير من ولعل بوادر هذا السجال النقدي الستيني بدأت
أمثاله الذين بدأوا يشكلون نزعة متنامية في المشهد
الأدبي والنقدي المغربي؛ إلا أن ما لاقاه منه من نقد تلوح في الأفق عندما انتقد محمد زنيبر ،ومن
لاذع في مقالته سيجعله ،وحسب قوله« ،مضط ًّرا خلال مقالة وسمها بـ»الواجب الأول للكاتب:
إلى شيء من الصراحة في قولي هذا ،فقد اكتفيت العودة إلى المجتمع المغربي»( ،)23ما لاحظه خلال
في المقال الأول بشيء من الإيماء والتلميح لأنني العددين السابقين من مقالات يتهافت ُكتابها على
لم أكن أقصد السيد محمد برادة بالذات ،وإنما ثقافة أوروبا وأدبها «تهاف ًتا تع ُّبد ًّيا»( ،)24وتقديمه
سقته كمثال له أشباه ونظائر متعددة»(.)29 كنماذج لأدب جديد على المجلات المغربية؛ ولتشتعل
هذا وبالإضافة إلى السجالات النقدية التي اهتمت شرارة هذا السجال عندما خص الناق ُد ،ومن بين
في مضمونها بتحولات القصيدة العربية في المغرب كل المقالات السابقة مقالة لمحمد برادة( ،)25فيقول:
بعد إرهاصات أولية شكلت أرضية خصبة مهدت «وقد دعاني على هاته الملاحظة المقال الأخير
لاستيعاب حركة الشعر الحر ،والذي طبع المشهد الذي قرأته في مجلة أقلام بإمضاء الصديق
الشعري المغربي بعد الاستقلال ،وهو الأمر الذي محمد برادة ،..والذي لا يعجبني في مثل هذا
ذهب إليه محمد بنيس في قوله :ولم تبدأ تباريح البحث هو بعده عن آفاقنا ومشاغلنا الفكرية
الشعر العربي المعاصر تهب على المغرب إلا بعد في المغرب .إنه رحلة إلى عوالم أخرى قطعت
أشوا ًطا في الحضارة والتقدم ،ولم تعد مشاغله
عام .)30(»57 تشبه مشاكلنا ..فكان من الأليق أن نتخلى
عن هذه الرحلة التطوافية في فرنسا وأوروبا
لنشد أرجلنا إلى أرض المغرب وننظر حوالينا