Page 61 - merit 48
P. 61

‫‪59‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫شعراء جيل صلاح بوسريف حسب زعم المحاور‪،-‬‬                     ‫الذي ناضل ولا يزال الشاعر والناقد صلاح‬
     ‫فهو «تعبير عن نقص في الرؤية والتص ُّور‪،‬‬              ‫بوسريف منذ أربعة عقود خلت‪ ،‬وهو ما شكل‬
                                                        ‫أحد أبرز مضامين البيان الذي استصدره الناقد‬
   ‫وفي البحث في ال ِّشعر نفسه عن مساحات بها‬              ‫ر ًّدا على ما كاله له خصومه من انتقادات لاذعة‬
    ‫يكون ال ِّشعر رواية ومسر ًحا وملحمة‪ ،‬وأُ ُف ًقا‬
     ‫لأشكال محتملة»(‪ ،)43‬هذا وبالإضافة إلى عدم‬              ‫حادت‪ ،‬وكما سنتعرض له لاح ًقا‪ ،‬عن حدود‬
  ‫اقتناعه ‪-‬وبناء على ما يقرؤه من روايات‪ -‬بقدرة‬         ‫المساجلة الأدبية‪ ،‬وفي ذلك يوضح‪ ،‬ودون مقدمات‬
    ‫كتابها إلى الذهاب إلى عمق النفس البشرية وما‬
  ‫تحتمله من ضغوط وهواجس‪ ،‬وذلك مقابل ميلها‬                ‫لبيانه قائ ًل‪« :‬ما في حواري الذي صدر بمجلة‬
   ‫إلى الموضوعات وغلبة أسلوب الإنشاء عليها‪ ،‬أما‬       ‫«ميريث الثقافية»‪ ،‬هو اختزال وتكثيف لمشروع‬
   ‫من حيث بنائها‪« ،‬فالكتابة الروائية‪ ،‬في أغلبها‪،‬‬
   ‫تشبه روايات الحكواتي في الحلقة‪ ،‬فحكاياته‬               ‫شعري‪ -‬نظري‪ ،‬يعود إلى أربعين سنة من‬
     ‫بناؤها مزاجي‪ ،‬وهذا هو وضع الرواية عند‬               ‫عمري الثقافي‪ ،‬أو حضوري في المشهد الثقافي‬
                                                      ‫المغربي‪ ،‬وقد كان كتاب «رهانات الحداثة‪ -‬أفق‬
         ‫من يكتبونها‪ ،‬فما بالك بشاعر أخفق في‬          ‫لأشكال محتملة»‪ ،‬الصادر عن دار الثقافة بالدار‬
                                  ‫ال ِّشعر؟!»(‪.)44‬‬      ‫البيضاء سنة ‪ ،1996‬تعبي ًرا عن هذا المشروع‪،‬‬
                                                      ‫رغم ما كان فيه من غموض‪ ،‬ورغبة في الانتقال‬
    ‫وبالعودة إلى القول الشعري‪ ،‬وخاصة فيما يهم‬        ‫بال ِّش ْعر من «القصيدة» إلى الكتابة‪ ،‬أو إلى العمل‬
‫هذه النزعة المتنامية نحو قصائد الهايكو‪ ،‬فقد سجل‬          ‫ال ِّشعري‪ ،‬ومن يريد أن يكتب‪ ،‬أو ُيلاحظ‪ ،‬أو‬
                                                      ‫ُيع ِّقب‪ ،‬أو ينتقد‪ ،‬أو ي ْش ُتم‪ ،‬ح َّتى‪ ،‬لا ُبد أن يعود‬
    ‫الناقد اختلافه مع هذا «الشعر»(‪ )45‬على مستوى‬         ‫إلى ما كتب ُته‪ ،‬منذ هذا التاريخ‪ ،‬أو قبله‪ ،‬شع ًرا‬
    ‫عدم التوجه نحو بلورة تصور يستفاد فيه من‬
   ‫الشعر الياباني مع تطوير التجربة وتطويعها مع‬                                         ‫وتص ُّو ًرا»(‪.)41‬‬
     ‫الخصوصيات الشعرية العربية‪ ،‬والتي لها باع‬         ‫لم يقتصر نقد صلاح بوسريف على ما ورد ضمن‬
    ‫طويل في هذا الضرب من الشعر‪ ،‬وهو ما ذهب‬
                                                          ‫مقولة أريد لها أن تطفو على سطح الحوار ‪La‬‬
      ‫إليه في قوله‪« :‬ما يعني أن شعر اللمعة‪ ،‬أو‬           ‫‪ ،mise en relief‬وإنما كال‪ ،‬ومن خلال أجوبته‬
     ‫المُقابسة‪ ،‬أو المقطع‪ ،‬أو اللحظة‪ ،‬أو الشذرة‪،‬‬         ‫عن مختلف أسئلة محاوره‪ ،‬انتقادات لعديد من‬
‫موجود في الشعرية العربية‪ ،‬لماذا تركنا كل هذا‪،‬‬           ‫الظواهر في المشهد الأدبي والنقدي بد ًءا بالإرباك‬
                                                          ‫الكبير الناجم عن صعوبة التخ ِّل عن المُسلَّمات‬
                ‫واستنجدنا بثقافات أخرى»(‪.)46‬‬             ‫والثوابت بسهولة لدى بعض المشارقة والخليج‬
      ‫أما في الجانب النقدي‪ ،‬فقد أدلى بدلوه صلاح‬
    ‫بوسريف فيما يتعلق بهذه الندرة في الدراسات‬               ‫تحدي ًدا ‪-‬حسب زعم الطرف المُحاور‪ ،-‬وهو‬
                                                     ‫الارتباك الذي خلقته طبيعة الإشكالية التي يطرحها‬
        ‫النقدية المعاصرة في المجال الشعري‪ ،‬وهي‬       ‫مشروعه «حداثة الكتابة» من حيث خلخلته للمفاهيم‬
     ‫ملاحظات تحمل في طياتها بعض النقد اللاذع‬
                                                          ‫الشعرية‪ ،‬وهو ما يبدو جليًّا‪ ،‬وعلى سبيل المثال‬
        ‫لكون هذا العزوف هو ليس اختيار ًّيا‪ ،‬وإنما‬         ‫في ترجمة بعض هذه المفاهيم‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
  ‫يتعلق بالمعرفة النقدية الشعرية‪ ،‬فالشعر «معرفة‬        ‫يقول الناقد‪« :‬رغم التناقض بل الخلل الكبير في‬
   ‫بالبلاغة والعروض واللغة والنقد‪ ،‬وبتاريخ‬             ‫ترجمة ‪ poème en prose‬بقصيدة النثر‪ ،‬فلا‬
   ‫ال ِّشعر الكوني‪ ،‬ماضيه وحاضره‪ ،‬وما يصدر‬               ‫أحد اعترف بالخلل‪ ،‬و ُك ُتب ودراسات لا تزال‬
 ‫من نظريات في مختلف اللغات والثقافات‪ ،‬وهو‬              ‫تصدر بهذه الترجمة المُ ِخلَّة‪ ،‬أطاريح جامعية‪،‬‬
 ‫امتداد في الماضي‪ ،‬وليس ثلاثة أو أربعة قرون‪،‬‬         ‫بل وندوات ولقاءات‪ ،‬كلها تسير في نفس المعنى‪،‬‬

      ‫مثلما نجد في الرواية‪ .‬لذلك فنقد ال ِّشعر لا‬                    ‫دون مراجعة ونقد وتدقيق»(‪.)42‬‬
   ‫يذهب إليه إلا من خبروا ال ِّشعر وانخرطوا في‬              ‫أما فيما يهم الانتقال من القول الشعري إلى‬
   ‫معرفته»(‪ ،)47‬هذا وبالإضافة إلى أن القلة القليلة‬   ‫السردي عبر الرواية ‪-‬وهو ما سار عليه الكثير من‬
    ‫ممن بقي حري ًصا على هذه الممارسة النقدية من‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66