Page 59 - merit 48
P. 59

‫‪57‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                     ‫أما في السبعينيات‪ ،‬فقد كان‬

                                                                     ‫من البديهي أن يتأثر‬

                                                                     ‫المشهد الثقافي والفكري في‬

                                                                     ‫المغرب بمسلسل الأزمات‬

                                                                     ‫الاقتصادية والاجتماعية‬

                                                                     ‫والصراعات السياسية‪،‬‬

                                                                     ‫حيث ظهرت نخبة‬

                                                                     ‫مثقفة شابة ترعرعت‬

                                                                     ‫بين أحضان الجامعة‬

                                                                     ‫المغربية الوليدة(‪،)31‬‬

                                                                       ‫والتي شكلت بد ًءا من‬
                                                                     ‫الستينيات «ور ًشا» مه ًّما‬
                                                                      ‫ومرت ًعا خصبًا للحركة‬
                                                                     ‫الأدبية والنقدية الحديثة‬

                                                                     ‫بالمغرب المتأثرة أفكارها‬

‫محمد برادة‬  ‫محمد أمنصور‬                               ‫عبد الله كنون‬  ‫بالمد اليساري المتنامي‬
                                                                       ‫بتنظيراته الماركسية‬

    ‫البحث في القصة القصيرة وجماعة الكوليزيوم‬          ‫وخطاباته الفكرية الثورية على الثقافة الليبرالية‪،‬‬
      ‫القصصي وبياناتها النارية بد ًءا ببيان القصة‬
‫التجريبية لمحمد أمنصور سنة ‪ 1993‬ثم بيان محمد‬          ‫والتي قادها في تلك الفترة ثلة من المفكرين‬
‫عزيز المصباحي سنة ‪ 2000‬آخر مظاهر السجالات‬
      ‫النقدية البارزة في المغرب‪ ،‬والتي خف بريقها‬      ‫المغاربة(‪)32‬؛ وإذا ما عرجنا على المشهد الأدبي‬
      ‫تدريجيًّا في اتجاه ما يشبه الغياب التام خلال‬
                                                      ‫والنقدي‪ ،‬فيمكن اعتبار فترة الستينيات‪« ،‬نقطة‬
                                  ‫الألفية الثالثة‪.‬‬
     ‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فإنه‪ ،‬ومن المنطقي مساءلة‬       ‫انطلاق الوعي النقدي الحديث في المغرب‪ ،‬وبداية‬
‫الأطراف المشاركة في هذا «السجال النقدي»‪ ،‬والذي‬
‫أطلق شرارته ‪-‬أو أريد له‪ -‬صلاح بوسريف خلال‬             ‫إرسال خطابه ورسالته»(‪ ،)33‬وذلك نتيجة تداخل‬
    ‫حواره الأخير‪ ،‬عن السياق والدوافع لبروزه في‬
  ‫بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة‪ ،‬وكذا علاقته‬  ‫وتساوق مجموعة من العوامل البارزة(‪.)34‬‬
    ‫بمضمونه الذي اخ ُتزل قس ًرا في مقولة‪ /‬جواب‬
     ‫مفادها أن «نيرودا ومحمود درويش ومظفر‬             ‫وفي خضم هذه التحولات السياسية والثقافية‪،‬‬
    ‫النواب وأحمد مطر شعرهم انتهى‪ ،‬ولم يعد‬
 ‫يقرأ إلا كوثيقة تاريخية‪ ،‬وهو في جوهره ليس‬            ‫والمتلفعة في جوانب كثيرة منها برداء يساري ثوري‬

                                     ‫شعرا»(‪.)36‬‬       ‫شكل أرضية خصبة لظهور النقد السوسيولوجي‬
    ‫ولعل المتلقي لهذا الحوار المنشور سيجد نفسه‪،‬‬
   ‫ومن خلال أولى مناصاته‪ ،‬أمام عتبة عنوان بارز‬        ‫في المشهد الأدبي والنقدي المغربي‪ ،‬انطلقت شرارة‬
‫تم التصرف فيه‪ ،‬مما سيؤدي حت ًما إلى شل قدراته‬
   ‫التأويلية وميكانيزمات المعالجة ضمن السياقات‪،‬‬       ‫أعنف وأطول وأسخن سجال نقدي شهدته الساحة‬

                                                      ‫الأدبية النقدية في المغرب‪ ،‬وهو صراع أجمع العديد‬

                                                      ‫من النقاد والدارسين على هيمنة الجانب السياسي‬

                                                      ‫على سجالاته‪ ،‬وهو ما ذهب إليه عبد السلام‬

                                                      ‫الفيزازي في قوله‪« :‬وقد كان بإمكان المثقفين أن‬

                                                      ‫يتنازعوا فكر ًّيا دون مساس بالجانب السياسي‪،‬‬
                                                      ‫سيما أن طبقة الكتاب والمبدعين يؤمنون‬

                                                      ‫باستحالة فصل الممارسات الإبداعية عن الواقع‬

                                                      ‫الاجتماعي والتاريخي‪ .‬فكان طبيع ًّيا أن تدخل‬
                                                                     ‫الحركة الأدبية حلبة الصراع»(‪.)35‬‬

                                                      ‫أما في نهاية التسعينيات‪ ،‬فقد شكلت مجموعة‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64