Page 60 - merit 48
P. 60
العـدد 48 58
ديسمبر ٢٠٢2
صلاح فضل عبد الله العروي والتي تم حذف بعض العبارات الدالة عليها كما
سنبين لاح ًقا ،فيلقي به -والقصد على المتلقي،-
قط ًعا من عتبة عنوانه رغم ما تحمله من إشارات وعلى حين غرة ،وسط حلبة صراع ،فيشرع في كيل
دالة تلزم كل ذي عقل لبيب من القراء إلى العودة سيل من اللكمات ،ودون مراعاة ،وفي أحايين كثيرة
إلى إحالتها الدلالية في سيرورة وسياقات الحوار. لقواعد المعركة ،وذلك إيما ًنا منه بضرورة الدفاع
وفي هذا الصدد يوضح بوسريف هذا السياق في -وهو أمر بديهي -عن هامات كبيرة لشعراء طبعوا
قوله« :ال ِّش ْعر لم يكن في يوم ما يحظى بحضور المشهد العربي بقصائد ألهبت مشاعر الملايين عبر
جماهيري واسع ،ما كان يحظى بهذا الحضور،
عقود خلت.
هو ما يقوله هذا ال ِّشعر ،الخطاب السياسي إلا أن المتتبع لكل فصول هذا الحوار سيكون لزا ًما
الاحتجاجي أو التحريضي ،هو ما كان يستمع
عليه الوقوف عند مجموعة من النقاط الأساسية:
إليه الناس ،ويجتمعون حوله ،ال ِّشعر كان ما ورد من مقولات الشاعر والناقد صلاح
أداة لحمل هذا الخطاب ،غاب ال ِّشعر ،وطفت
السياسة على السطح .لا أحد ،كان يبحث في بوسريف هي في إطار حوار تنسج خيوطه أسئلة
ال ِّشعر عن ال ُب ْعد الفني الجمالي ،ولا عن ال ُب ْعد شخص محاور ،وذلك بخلاف المقالة التي ،وإن
الرؤيوي ،ولا عن ال ُط ُرق التي كان ال ِّشعر اتصفت بصغر حجمها ،وهو ما ذهب إليه شوقي
يهجس بها ،في بناء الإنسان ،وفي إدراك معنى ضيف ،وسي ًرا على منوال العديد من التعريفات،
كونها «قالب قصير قلما تجاوز نه ًرا أو نهرين
وجودنا على الأرض ،واقامتنا عليها .بابلو في الصحيفة»()37؛ إلا أن العقاد اعتبر المقالة بحثًا
نيرودا ،أو محمود درويش ،أو مظفر النواب ،أو
أحمد مطر ،أو غير هؤلاء ،شعرهم ،بهذا المعنى مصغ ًرا وأنها إذا طالت أصبحت كتا ًبا في ذهن
انتهى ،لم يعد ُي ْقرأ إلا كوثيقة تاريخية ،وليس كاتبها ،فهي إذن «مشروع كتاب في موضوعها
لمن يتسع وقته للإجمال ولا يتسع للتفصيل،
كشعر ،وهو ،في جوهره ليس شع ًرا ،بل شيء فكل مقالة في موضوع فهي كتاب صغير يشتمل
آخر غير ال ِّش ْعر ،وهذا ما وجدناه عند شعراء
السبعينيات في المغرب ،وفي العالم العربي»(.)40 على النواة التي تنبت منها الشجرة لمن أراد
لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل ما دار خلال الانتظار»(.)38
هذا الحوار عن المشروع الشعري والنظري الكبير
إلا أن الملاحظ أن مشروع الكتاب هنا سبق،
وبسنوات طويلة ،ما ورد ضمن الحوار الذي
اختزله وكثفه تكثي ًفا ،وهو ما حذا بالشاعر والناقد
إلى الانتقال إلى مستوى البيان ،والذي يعتبره
«برنام ًجا أو خطاطة ،يحاول الشاعر أو الجماعة
التي تنتمي ،أو تحاول أن تسير في اتجاه ،أو
تيار شعري واحد ،أن تعبر من خلاله عن هذا
البرنامج وعن المقترحات الشعرية التي غالبا ما
تختار السير في غير المألوف ،أو تطرح نفسها،
بالأحرى ،كبديل صريح ،أو ضمني ،لما هو
معروف من ممارسات نصية ونظرية»(.)39
هذا وبالإضافة إلى أن ما جاء على لسان الناقد
في المقولة «الحدث» لا يمكن عزله بأي حال من
الأحوال عن السياق الذي ورد فيه ،وهو السياق
المعبر عنه بعبارة على قدر بالغ من الأهمية وهي
«بهذا المعنى» ،والتي أدرجت في الحوار واقتطعت