Page 156 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 156

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

  ‫ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده‪ ..‬ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس‪ ،‬فھو من بيت‬
     ‫عريق في الجود والسخاء‪ ،‬كان لأسرة قيس‪ ،‬على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ‪ ،‬مناد يقف فوق‬

 ‫مرتفع لھم وينادي الضيفان الى طعامھم نھارا‪ ...‬أو يوقد النار لتھدي الغريب الساري ليلا‪ ..‬وكان الناس‬
                              ‫يومئذ يقولون‪ ":‬من أح ّب الشحم‪ ،‬واللحم‪ ،‬فليأت أطم دليم بن حارثة"‪...‬‬
                                                            ‫ودليم بن حارثة‪ ،‬ھو الجد الثاني لقيس‪..‬‬
                                                 ‫ففي ھذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح‪..‬‬
                                              ‫ت ّحث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا‪:‬‬
                                                    ‫" لو تركنا ھذا الفتى لسخائه‪ ،‬لأھلك مال أبيه"‪..‬‬
                                           ‫وعلم سعد بن عبادة بمقالتھما عن ابنه قيس‪ ،‬فصاح قائلا‪:‬‬
                                 ‫" من يعذرني من أبي قحافة‪ ،‬وابن الخ ّطاب‪ ..‬يبخلان عل ّي ابني"‪!!..‬‬
                                                   ‫وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا‪..‬‬

                   ‫وفي الموعد المضروب للوفاء ذھب الرجل ير ّد الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال‪:‬‬
                                                                ‫" انا لا نعود في شيء أعطيناه"‪!!..‬‬

                                               ‫**‬

               ‫وللفطرة الانسانية نھج لا يتخلف‪ ،‬وسنّة لا تتب ّدل‪ ..‬فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة‪..‬‬
‫أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان‪ ،‬لا يتخلف أحدھما عن الاخر أبدا‪ ..‬واذا وجدت جودا‬

    ‫ولم تجد شجاعة فاعلم أن ھذا الذي تراه ليس جودا‪ ..‬وانما ھو مظھر فارغ وكاذب من مظاھر الزھو‬
    ‫الأ ّدعاء‪ ...‬واذا وجدت شجاعة لا يصاحبھا جود‪ ،‬فاعلم أنھا ليست شجاعة‪ ،‬انما ھي نزوة من نزوات‬

                                                                                 ‫التھ ّور والطيش‪...‬‬

 ‫ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام‪..‬‬

                                                                       ‫لكأنه المعن ّي بقول الشاعر‪:‬‬
                                                      ‫اذا ما راية رفعت لمجد تلقاھا عرابة باليمين‬
          ‫تألقت شجاعته في جميع المشاھد التي صاحب فيھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو ح ّي‪..‬‬
                   ‫وواصلت تألقھا‪ ،‬في المشاھد التي خاضھا بعد أن ذھب الرسول الى الرفيق الأعلى‪..‬‬
‫والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدھاء‪ ..‬وتتوسل بالوضوح والماوجھة‪ ،‬لا بالمناورة والمراوغة‪،‬‬
                                          ‫تح ّمل صاحبھا من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه‪..‬‬
    ‫ومنذ ألقى قيس وراء ظھره‪ ،‬قدرته الخارقة على الدھاء والمناورة‪ ،‬وحمل ھذا الطراز من الشجاعة‬
                   ‫المسفرة الواضحة‪ ،‬وھو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات‪...‬‬
                                                ‫ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبھا وحده‪..‬‬
           ‫ھذا الاقتناع الذي لا تك ّونه شھوة أو نزوة‪ ،‬انما يك ّونه الصدق مع النفس‪ ،‬والاخلاص للحق‪...‬‬

                                                               ‫‪156‬‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161