Page 155 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 155
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..
وكانوا يقولون ":لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا"..
ذلك أنه كان أجرد ،ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال
يت ّوجون بھا وجوھھم.
فمن ھذا الفتى الذي و ّد قومه لو يتنازلون عن أموالھم لقاء لحية تكسو وجھه ،وتكمل الشكل الخارجي
لعظمته الحقيقية ،وزعامته المتفوقة..؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة.
من أجود بيوت لعرب وأعرقھا ..البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" ان الجود شيمة أھل ھذا البيت"..
وانه الداھية الذي يتفجر حيلة ،ومھارة ،وذكاء ،والذي قال عن نفسه وھو صادق:
" لولا الاسلام ،لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"!!..
ذلك أنه حا ّد الذكاء ،واسع الحيلة ،متوقّد الذھن.
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ض ّد معاوية ..وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن
يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم ،بيد أنه يتفحص خدعته ھذه التي تفتق عنھا ذكاؤه
فيجدھا من المكر السيء الخطر ،ثم يذكر قول ﷲ سبحانه:
) ولا يحيق المكر السوء الا بأھله(..
فيھ ّب من فوره مستنكرا ،ومستغفرا ،ولسان حاله يقول:
" وﷲ لئن ق ّدر لمعاوية أن يغلبنا ،فلن يغلبنا بذكائه ،بل بورعنا وتقوانا"!!..
ان ھذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم ،ورث المكارم كابرا عن كابر ..فھو ابن سعد بن
عبادة ،زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وق ّدمه الى الرسول قائلا:
" ھذا خادمك يا رسول ﷲ"..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التف ّوق وأمائر الصلاح..
فأدناه منه وق ّربه اليه وظل قيس صاحب ھذه المكانة دائما..
يقول أنس صاحب رسول ﷲ:
" كان قيس بن سعد من النبي ،بمكان صاحب الشرطة من الأمير"..
وحين كان قيس ،قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذھن ،ولم يكن في المدينة
وما حولھا الا من يحسب لدھائه ألف حساب ..فلما أسلم ،علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه ،لا
بدھائه ،ولقد كان ابنا با ّرا للاسلام ،ومن ث ّم ن ّحى دھاءه جانبا ،ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية..
وصار كلما واجه موقعا صعبا ،يأخذه الحنين الى دھائه المقيد ،فيقول عبارته المأثورة:
" لولا الاسلام ،لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"!!...
**
155