Page 176 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 176
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
ولما أنجزاھا ورجعا قافلين الى المدينة ،كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر ،فآلم نفسيھما أن
يفوتھما أجر مشاركة الرسول صلى ﷲ عليه وسلم بالجھاد في أولى غزواته..
بيد أن الرسول أھدى اليھما طمأنينة سابغة ،حين انبأھما أن لھما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين
تماما ،بل وقسم لھما من غنائم المعركة مثل من شھدوھا..
وتجيء غزوة أحد لتشھد كل جبروت قريش وكل بأسھا حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤ ّمن مصيرھا
بانزال ھزيمة نھائية بالمسلمين ،ھزيمة حسبتھا قريش أمرا ميسورا ،وقدرا مقدورا!!..
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غ ّطت الأرض بحصادھا الأليم ..ودارت الدائرة على المشركين..
ثم لما رآھم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتھم ،ونزل الرماة من مواقعھم ليحوزوا نصيبھم من
الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة ،فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه ،وكان للمفاجأة أثرھا في تشتيت صفوف المسلمين..
وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،فألفاه قد صار ھدفا لقوى
الشرك والوثنية ،فسارع نحو الرسول..
وراح رضي ﷲ عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره !..طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف
المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!
ورأى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدمو ويتحامل على نفسه ،فج ّن جنونه،
وقطع طريق الھول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه ..سيوف المشركين تلھث نحوه،
وتحيط به تريد أن تناله بسوء..
ووقف طلحة كالجيش اللجب ،يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..
ورأى دم الروسل الكريم ينزف ،وآلامه تئن ،فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيھا قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره ،متأخرا به الى مكان آمن ،بينما بيمينه ،بارك
ﷲ يمينه ،تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول ،وملؤا دائرة القتال مثل الجراد!!..
ولندع الص ّديق أبا بكر رضي ﷲ عنه يصف لنا المشھد..
تقول عائشة رضي ﷲ عنھا:
" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول :ذلك كله كان يوم طلحة ..كنت أول من جاء الى النبي صلى ﷲ
عليه وسلم ،فقال لي الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الج ّراح :دونكم اخاكم ..ونظرنا واذا
به بضع وسبعون بين طعنة ..وضربة ورمية ..واذا أصبعه مقطوع .فأصلحنا من شانه" .
**
وفي جميع المشاھد والغزوات ،كان طلحة في مق ّدمة الصفوف يبتغي وجه ﷲ ،ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة ،يعبد ﷲ مع العابدين ،ويجاھد في سبيله مع المجاھدين ،ويرسي
بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..
176