Page 195 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 195

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

   ‫كان الوحي يتنزل‪ ،‬والرسول يتلو‪ ،‬ويبلّغ‪ ،‬وكان ھناك ثلة مباركة تح ّرك حرصھا على القرآن من أول‬
   ‫يوم‪ ،‬فراح بعضھم يحفظ منه ما استطاع‪ ،‬وراح البعض الآخر ممن يجيدون الكتابة‪ ،‬يحتفظون بالآيات‬

                                                                                         ‫مسطورة‪.‬‬
‫وخلال احدى وعشرين سنة تقريبا‪ ،‬نزل القرآن خلالھا آية آية‪ ،‬أو آيات‪ ،‬تلو آيات‪ ،‬ملبيا مناسبات النزول‬

                    ‫وأسبابھا‪ ،‬كان أولئك الحفظة‪ ،‬والمسجلون‪ ،‬يوالون عملھم في توفيق من ﷲ كبير‪..‬‬
                      ‫ولم يجيء القرآن مرة واحدة وجكلة واحدة‪ ،‬لأنه ليس كتابا مؤلفا‪ ،‬ولا موضوعا‪.‬‬

      ‫انما ھو دليل أمة جديدة تبني على الطبيعة‪ ،‬لبنة لبنة‪ ،‬ويوما يوما‪ ،‬تنھض عقيدتھا‪ ،‬ويتشكل قلبھا‪،‬‬
  ‫وفكرھا‪ ،‬وارادتھا وفق مشيئة الھية‪ ،‬لا تفرض نفسھا من عل‪ ،‬وانما تقود التجربة البشرية لھذه الأمة‬

                                                            ‫في طريق الاقتناع الكامل بھذه المشيئة‪..‬‬
        ‫ومن ث ّم‪ ،‬كان لا بد للقرآن أن يجيء من ّجما‪ ،‬ومجرأ‪ ،‬ليتابع التجربة في سيرھا النامي‪ ،‬ومواقفھا‬

                                                                      ‫المتجددة‪ .‬وأزماتھا المتصديّة‪.‬‬
   ‫توافر الحفاظ‪ ،‬والكتبة‪ ،‬كما ذكرنا من قبل‪ ،‬على حفظ القرآن وتسجيله‪،‬وكان على رأسھم علي ابن ابي‬
 ‫طالب‪ ،‬وأب ّي بن كعب‪ ،‬وعبدﷲ ابن مسعود‪ ،‬وعبدﷲ بن عباس‪ ،‬وصاحب الشخصية الجليلة التي نتحدث‬

                                                    ‫عنھا الآن زيد بن ثابت رضي ﷲ عنھم أجمعين‪..‬‬

                                               ‫**‬

  ‫وبعد أن ت ّم نزولا‪ ،‬وخلال الفترة الأخيرة من فترات تنزيله‪ ،‬كان الرسول يقرؤه على المسلمين‪ ..‬مرتبا‬
                                                                                     ‫سوره وآياته‪.‬‬

                           ‫وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام شغل المسلمون من فورھم بحروب الر ّدة‪..‬‬
‫وفي معركة اليمامة‪ ..‬التي تحدثنا عنھا من قبل خلال حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الخطاب كان‬

       ‫عدد الشھدا من ق ّراء القرآن وحفظته كبيرا‪ ..‬فما كادت نار الر ّدة تخبو وتنطفئ حتى فزع عمر الى‬
   ‫الخليفة أبي بكر رضي ﷲ عنھما راغبا اليه في الحاح أن يسارعوا الى جمع القرآن قبلما يدرك الموت‬

                                                                     ‫والشھادة بقية الق ّراء والحفاظ‪.‬‬
                                 ‫واستخار الخليفة ربه‪ ..‬وشاور صحبه‪ ..‬ثم دعا زيد بن ثابت وقال له‪:‬‬

                                                                       ‫" انك شاب عاقل لا نتھمك"‪.‬‬
                         ‫وأمره أن يبدأ بجمع القرآن الكريم‪ ،‬مستعينا بذوي الخبرة في ھذا الموضوع‪..‬‬

                                       ‫ونھض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصير الاسلام كله كدين‪!..‬‬
‫وأبلى بلاء عظيما في انجاز أشق المھام وأعظمھا‪ ،‬فمضى يجمع الآيات والسور من صدور الحفاظ‪ ،‬ومن‬

                     ‫مواطنھا المكتوبة‪ ،‬ويقبابل‪ ،‬ويعارض‪ ،‬ويتح ّرى‪ ،‬حتى جمع القرآن مرتبا ومنسقا‪..‬‬
     ‫ولقد ز ّكى عمله اجماع الصحابة رضي ﷲ عنھم الذين عاشوا يسمعونه من رسولھم صلى ﷲ عليه‬

                          ‫وسلم خلال سنوات الرسالة جميعھا‪ ،‬لا سيّما العلماء منھم والحفاظ والكتبة‪..‬‬
                           ‫وقال زيد وھو يص ّور الصعوبة الكبرى التي شكلتھا قداسة المھمة وجلالھا‪..‬‬
            ‫" وﷲ لو كلفوني نقل جبل من مكانه‪ ،‬لكان أھون عل ّي مما أمروني به من جمع القرآن"‪!!..‬‬

                                                                                             ‫أجل‪..‬‬

                                                               ‫‪195‬‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200