Page 21 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 21

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫بعد أيام‪ .‬وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذھبت لتستدعي ذلك الوالي الى المدينة ليلقى حسابه‬
                                                                                        ‫العسير‪!!..‬‬

                                 ‫ليھنأ أبو ذر اذن‪ ..‬وليھنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين‪..‬‬
‫وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايقع استغلال السلطة‪ ،‬واحتكارالثروة‪ ،‬فان ابن الخطاب‬

                       ‫بمراقبته الصارمة للسلطة‪ ،‬وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا‪..‬‬
‫وھكذا تفرغ لعبادة ربه‪ ،‬وللجھاد في سبيله‪ ..‬غير لائذ بالصمت اذا رأى مخالفة ھنا‪ ،‬أو ھناك‪ ..‬وقلما كان‬

                                                                                             ‫يرى‪..‬‬

‫بيد أن أعظم‪ ،‬وأعدل‪ ،‬وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم‪ ،‬تاركا وراءه فراغا ھائلا‪،‬‬
‫ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مف ّر منه ولا طاقة للناس به‪ .‬وتستمر القتوح في م ّدھا‪ ،‬ويعلو معھا‬

                                                      ‫مد الرغبات والتطلع الى مناعم الحياة وترفھا‪..‬‬
                                                                              ‫ويرى أبو ذر الخطر‪..‬‬

              ‫ان ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورھم في الحياة أن يرفعوا راية ﷲ‪..‬‬
‫ان الدنيا بزخرفھا وغرورھا الضاري‪ ،‬توشك أن تفتن الذين كل رسالتھم أن يجعلوا منھا مزرعة للأعمال‬

                                                                                       ‫الصالحات‪..‬‬
                       ‫ان المال الذي جعله ﷲ خادما مطيعا للانسان‪ ،‬يوشك أن يتح ّول الى سيّد مستبد‪..‬‬

                                                                                         ‫ومع من؟‬
        ‫مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرھونة‪ ،‬في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه‪!!..‬‬
 ‫ان خيرات الأرض التي ذرأھا ﷲ للناس جميعا‪ ..‬وجعل حقھم فيھا متكافئا توشك أن اصير حكرا ومزية‪..‬‬
‫ان السلطة التي ھي مسؤولية ترتعد من ھول حساب ﷲ عليھا أفئدة الأبرار‪ ،‬تتحول الى سبيل للسيطرة‪،‬‬

                                                                   ‫وللثراء‪ ،‬وللترف المدمر الوبيل‪..‬‬
‫رأى أبو ذر كل ھذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته‪ ..‬بل راح يمد يمينه الى سيفه‪ ..‬وھز به‬
‫الھواء فمزقه‪ ،‬ونھض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة‪ ..‬لكن سرعان ما ر ّن في فؤاده‬

   ‫صدى الوصية التي أوصاه بھا الرسول‪ ،‬فأعاد السيف الى غمده‪ ،‬فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم‪..‬‬
                                                            ‫)وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ(‬

                                                          ‫ليس دوره اليوم أن يقتل‪ ..‬بل أن يعترض‪..‬‬
                           ‫وليس السيف أداة التغيير والتقويم‪ ،‬بل الكلمة الصادقة‪ ،‬الأمينة المستبسلة‪..‬‬

                                              ‫الكلمة العادلة التي لا تضل طريقھا‪ ،‬ولا ترھب عواقبھا‪.‬‬

‫لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه‪ ،‬أن الأرض لم تق ّل‪ ،‬وأن السماء لم تظ ّل أصدق لھجة من‬
                                                                                          ‫أبي ذر‪..‬‬

                  ‫ومن كان يملك ھذا القدر من صدق اللھجة‪ ،‬وصدق الاقتناع‪ ،‬فما حاجته الى السيف‪..‬؟‬
                                              ‫ان كلمة واحدة يقولھا‪ ،‬لأمضى من ملء الأرض سيوفا‪..‬‬

                                                                ‫‪21‬‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26