Page 23 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 23

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫ثم يذكر من فوره وصية رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أن يضع الأناة مكان الانقلاب‪ ،‬والكلمة‬
‫الشجاعة مكان السيف‪ ..‬فيترك لغة الحرب ھذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع‪ ،‬فيعلم الناس جميعا أنھم‬
‫جميعا سواسية كأسنان المشط‪ ..‬وأنھم جميعا شركاء في الرزق‪ ..‬وأنه لا فضل لأحد على أحد الا‬

            ‫بالتقوى‪ ..‬وأن أمير القوم ووليھم‪ ،‬ھو أول من يجوع اذا جاعوا‪ ،‬وآخر من شبع اذا شبعوا‪..‬‬
‫لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عا ّما من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة‪ ،‬والقوة‬

     ‫ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه‪ ،‬وما يحول دون ظھور طبقات مستغلة للحكم‪ ،‬أو محتكرة للثروة‪.‬‬

‫وفي أيام قلائل‪ ،‬كانت الشام كلھا كخلايا نحل وجدت ملكتھا المطاعة‪ ..‬ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة‬
‫بالثورة لاشتعلت نارا‪ ..‬ولكنه كما قلنا‪ ،‬حصر اھتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه‪ ،‬وصارت كلماته‬

                                                                ‫حديث المجالس والمساجد والطريق‪.‬‬
‫ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه‪ ،‬يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس‪ .‬ثم أبلغ الشاھد‬

                                                   ‫للمناظرة‪ ،‬الغائب عنھا‪ .‬وسارت الرياح بأخبارھا‪..‬‬
                                    ‫ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لھجة‪ ،‬كما وصفه نبيه وأستاذه‪..‬‬
    ‫وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما‪ ،‬وعن ثروته اليوم‪!!..‬‬
                                     ‫وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة‪ ،‬وعن قصوره بالشام اليوم‪!!..‬‬
‫ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضھم قصور‬

                                                                                           ‫وضياع‪.‬‬
                    ‫ثم يصيح فيھم جميعا‪ :‬أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وھو بين ظھرانيھم‪..‬؟؟‬
                  ‫ويتولى الاجابة عنھم‪ :‬نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن‪ ،‬وشھدتم مع الرسول المشاھد‪..‬‬

                                                   ‫ثم يعود ويسأل‪ :‬ألا تجدون في كتاب ﷲ ھذه الآية‪:‬‬
‫)والذين يكنزون الذھب والفضة ولا ينفقونھا في سبيل ﷲ فبشرھم بعذاب أليم‪ ..‬يوم يحمى عليھا في نار‬

   ‫جھنّم‪ ،‬فتكوى بھا جباھھم‪ ،‬وجنوبھم‪ ،‬وظھورھم‪ ،‬ھذا ما كنزتم لأنفسكم‪ ،‬فذوقوا ما كنتم تكنزون(‪..‬؟؟‬

                            ‫ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا‪ :‬لقد أنزلت ھذه الآية في أھل الكتاب‪..‬‬
                                                              ‫ويصيح أبو ذر‪ :‬لا بل أنزلت لنا ولھم‪..‬‬

‫ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديھم من ضياع وقصور وأموال‪ ..‬وألا‬
                                                          ‫ي ّدخر أحدھم لنفسه أكثر من حاجات يومه‪..‬‬

                                           ‫وتتناقل المحافل والجموع نبأ ھذه المناظرة وأنباء أبي ذر‪..‬‬
                                                         ‫ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات‪:‬‬
                                                          ‫)ب ّشر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة(‪..‬‬

‫ويستشعر معاوية الخطر‪ ،‬وتفزعه كلمات الثائر الجليل‪ ،‬ولكنه يعرف له قدره‪ ،‬فلا يق ّر به بسوء‪ ،‬ويكتب‬
                 ‫عن فوره للخليفة عثمان رضي ﷲ عنه يقول له‪ ":‬ان أبا ذر قد أفسد الانس بالشام"‪..‬‬
                                                            ‫ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة‪.‬‬

                                                                ‫‪23‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28