Page 22 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 22
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
فليخرج بصدقه ھذا ،الى الأمراء ..الى الأغنياء .الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونھم الى الدنيا
خطرا على الدين الذي جاء ھاديا ،لا جابيا ..ونبوة لا ملكا ..،ورحمة لا عذابا ..وتواضعا لا استعلاء..
وتكافؤ لا تمايز ..وقناعة لا جشعا ..وكفاية لا ترفا ..واتئادا في أخذ الحياة ،لا فتونا بھا ولا تھالكا عليھا..
فليخرج الى ھؤلاء جميعا ،حتى يحكم ﷲ بينھم وبينه بالحق ،وھو خير الحاكمين.
**
وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة ،يغزوھا بمعارضته معقلا معقلا ..وأصبح في أيام معدودات
الراية التي التفت حولھا الجماھير والكادحون ..حتى في الأقطار النائية التي لم يره أھلھا بعد ..طاره
اليھا ذكره .وأصبح لا يمر بأرض ،بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات ھا ّمة تھدد مصالح ذوي
الشلطة والثراء.
ولو أراد ھذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى
مكواة تتوھج حمرة ولھبا ،فقد جعل نشيده وھتافه الذي يردده في كل مكان وزمان ..ويردده الانس عنه
كأنه نشيد ..ھذه الكلمات:
"ب ّشر الكانزين الذين يكنزون الذھب والفضة بمكاو من نار تكوى بھا جباھھم وجنوبھم يوم القيامة"!!..
لا يصغد جبلا ،ولا ينزل سھلا ،ولا يدخل مدينة ،ولا يواجه أميرا الا وھذه الكلمات على لسانه.
ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بھذه الكلمات:
" ب ّشر الكانزين بمكاو من نار"..
لقد صارت ھذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لھا ،حين رأى الثروات تتركز وتحتكر ..وحين
رأى السلطة استعلاء واستغلال ..وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات
الرسالة العظمى من جمال وورع ،وتفان واخلاص..
لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورھبة ..ھناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا
من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا ،وانه ليعطي الأموال ويوزعھا بغير حساب ،يتألف بھا
الناس الذين لھم حظ ومكانة ،ويؤمن بھا مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد.
ھناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الجعوة ،فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق
ويد ّمر..
وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه ،وسابق الريح الى الشام..
ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق ،والتفوا حوله أينما ذھب
وسار..
حدثنا يا أبا ذر..
حدثنا يا صاحب رسول ﷲ..
ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة ،فيرى أكثرھا ذوي حصاصة وفقر ..ثم يرنو ببصره
نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع..
ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا:
" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ،كيف لا يخرج على الانس شاھرا سيفه"..؟؟!!
22