Page 24 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 24
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه م ّرة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشھد
دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع!!..
**
)لا حاجة لي في دنياكم(!!..
ھكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدسنة ،وجرى بينھما حوار طويل.
لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه ،ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة
الجماھير لآراء أبي ذر ،بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتھا ،وقرر أن يحتفظ به الى جواره في المدينة،
محددا بھا اقامته.
ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا ،رقيقا ،فقال له ":ابق ھنا يجانبي ،تغدو عليك القاح
وتروح"..
وأجابه أبو ذر:
)لا حاجة لي في دنياكم(!.
أجل لا حاجة له في دنيا الناس ..انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح ،ويحيون الحياة
ليعطوا لا ليأخذوا!!..
ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي ﷲ عنه أن يأذن له الخروج الى ال ّربذة فأذن له..
ولقد ظل وھو في احتدام معارضته أمينا ورسوله ،حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجھھا
اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف ..لكأن الرسول رأى الغيب كله ..غيب أبي ذر
ومستقبله ،فأھدى اليه ھذه النصيحة الغالية.
ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا
لاشباع ولعھم وكيدھم.
جاءه يوما وھو في ال ّربدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة ،فزجرھم بكلمات
حاسمة:
" وﷲ لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ،أ جبل ،لسمعت ،وأطعت ،وصبرت واحتسبت ،ورأيت ذلك
خيرا لي"..
" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق ،لسمعت وأطعت ،وصبرت واحتسبت ،ورأيت ذلك خيرا لي..
" ولو ر ّدني الى منزلي ،لسمعت وأطعت ،وصبرت واحتسبت ،ورأيت ذلك خيرا لي"..
ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا ،ومن ثم أفاء ﷲ عليه نور البصيرة ..ومن ثم مرة أخرى
أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاھا ..كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من
وبال وخطر ،فتحاشاه أيضا ،ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولھجة الصدق ،لا أطماع تغريه ..ولا
عواقب تثنيه!..
لقد تف ّرغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل.
24