Page 25 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 25
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
وسيقضي عمره كله يح ّدق في أخطاء الحكم وأخطاء المال ،فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة
ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولھم صلى ﷲ عليه وسلم ،والذين يجب أن
يظلوا لھا حاملين.
والحكم والمال أيضا ،ھما عصب الحياة للأمة والجماعات ،فاذا اعتورھما الضلال تعرضت مصاير الناس
للخطر الأكيد.
ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منھم امارة أو يجمع ثروة ،وأن يظلوا كما كانوا
ر ّواد للھدى ،وعبّادا ..
وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال ،وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا ..ولطالما سمع
النبي صلى ﷲ عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنھا:
" ..انھا أمانة ،وانھا يوم القيامة خزي وندامة ..الا من أخذھا بحقھا ،وأ ّدى الذي عليه فيھا"...
ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتھم،لأنھم ولوا الامارات ،وصار لھم بطبيعة
الحال ثراء وفرة..
لقيه أبو موسى الأشعري يوما ،فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وھو يصيح من الفرح بلقائه ":مرحبا
أبا ذر ..مرحبا بأخي".
ولكن أبا ذر دفعه عنه وھو يقول:
" لست بأخيك ،انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"!..
كذلك لقيه أبو ھريرة يوما واحتضنه مر ّحبا ،ولكن أبا ذر ن ّحاه عنه بيده وقال له:
)اليك عني ..ألست الذي وليت الامارة ،فتطاولت في البنيان ،واتخذت لك ماشية وزرعا(..؟؟
ومضى أبو ھريرة يدافع عن نفسه ويبرئھا من تلك الشائعات..
وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة..
ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه ،ومع ايمانه ،فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله ..بسلوكه
ورؤاه ،عند المستوى الذي خلفه لھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وصاحباه ..أبو بكر وعمر..
واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوھا ،فان ابا ذر يراھا قدوة ترسم طريق
الحياة والعمل ،ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام ،وصلوا وراءه ،وجاھدوا
معه ،وبايعوه على السمع والطاعة.
كما أنه يدرك بوعيه المضيء ،ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس ،ومن ثم فان أي خلل
يصيب أمانة الحكم ،أو عدالة الثروة ،يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته.
**
ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه ،أمينا عليھا،
حارسا لھا ..وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة...،
عرضت عليه الامارة بالعراق فقال:
25