Page 212 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 212
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
وھكذا كانت السنوات الأربع التي عاشھا مع رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم منذ أسلم الى أن ذھب النبي
الى الرفيق الأعلى.
نقول :كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدھا ..كانت طويلة عريضة ،ممتلئة بكل صالح من القول،
والعمل ،والاصغاء.
**
أدرك أبو ھريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين ﷲ.
ان أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..
والفقھاء والدعاة والمعلمون كثيرون.
ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.
ففي تلك العصور ،وكانت الجماعة الانسانية كلھا ،لا العرب وحدھم ،لا يھتمون بالكتابة ،ولم تكن الكتابة
من علامات التقدم في مجتمع ما..
بل ا ّن أوروبا نفسھا كانت كذلك منذ عھد غير بعيد.
وكان أكثر ملوكھا وعلى رأسھم شارلمان أميّين لا يقرءون ولا يكتبون ،مع أنھم في نفس الوقت كانوا
على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..
**
نعود الى حديثنا لنرى أبا ھريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الاسلام الى من يحفظن
تراثه وتعاليمه ،كان ھناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنھم قليلون ،ثم ان بعضھم لا يملك من
الفراغ ما يم ّكنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
لم يكن أبا ھريرة كاتبا ،ولكنه كان حافظا ،وكان يملك ھذا الفراغ ،أو ھذا الفراغ المنشود ،فليس له أرض
يزرعھا ولا تجارة يتبعھا!!
وھو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا ،عزم على أن يع ّوض ما فاته ،وذلك بأن يواظب على متابعة
الرسول صلى ﷲ عليه وسلم وعلى مجالسته..
ثم انه يعرف من نفسه ھذه الموھبة التي أنعم ﷲ بھا عليه ،وھي ذاكرته الرحبة القوية ،والتي زادت
مضاء ورحابة وقوة ،بدعوة الرسول صلى ﷲ عليه وسلم لصاحبھا أن يبارك ﷲ له فيھا..
فلماذا اذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقھم حفظ ھذا التراث ونقله لللأجيال..؟؟
أجل ..ھذا دوره الذي تھيئه للقيام به مواھبه ،وعليه أن يقوم به في غير توان..
**
ولم يكن أبو ھريرة ممن يكتبون ،ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..
ولم تكن له أرض يزرعھا ،ولا تجارة تشغله ،ومن ث ّم لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..
وھكذا راح يك ّرس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول ﷲ عليه الصلاة والسلام وتوجيھاته..
212