Page 213 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 213

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫فلما انتقل النبي صلى ﷲ عليه وسلم الى الرفيق الأعلى‪ ،‬راح أبو ھريرة يحدث‪ ،‬مما جعل بعض أصحابه‬
                                            ‫يعجبون‪ :‬أنّى له كل ھذه الحاديث‪ ،‬ومتى سمعھا ووعاھا‪..‬‬

  ‫ولقد ألقى أبوھريرة رضي ﷲ عنه الضوء على ھذه الظاھرة‪ ،‬وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك‬
                                                                  ‫التي ساورت بعض أصحابه فقال‪:‬‬

                            ‫" انكم لتقولون أكثر أبو ھريرة في حديثه عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم‪..‬‬
                        ‫وتقولون‪ :‬ان المھاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون ھذه الأحاديث‪..‬؟؟‬
‫ألا ان أصحابي من المھاجرين‪ ،‬كانت تشغلھم صفقاتھم بالسوق‪ ،‬وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلھم‬

                                                                                         ‫أرضھم‪..‬‬
                ‫واني كنت أميرا مسكينا‪ ،‬أكثر مجالسة رسول ﷲ‪ ،‬فأحضر اذا غابوا‪ ،‬وأحفظ اذا نسوا‪..‬‬
  ‫وان النبي صلى ﷲ عليه وسلم حدثنا يوما فقال‪ :‬من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه‬
     ‫فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني‪ !..‬فبسطت ثزبي فحدثني ثم ضممته ال ّي فوﷲ ما كنت نسيت شيئا‬

                                                                                      ‫سمعته منه‪..‬‬
                                        ‫وأيم وﷲ‪ ،‬لولا آية في كتاب ﷲ ما حدثتكم بشيء أبدا‪ ،‬وھي‪:‬‬
    ‫) ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والھدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب‪ ،‬أولئك يلعنھم ﷲ‬

                                                                            ‫ويلعنھم اللاعنون(‪."..‬‬

                    ‫ھكذا يفسر أبو ھريرة سر تف ّرده بكثرة الرواية عن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم‪.‬‬
                                                  ‫فھو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره‪..‬‬

                                        ‫وھو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية‪ ،‬باركھا الرسول فزادت قوة‪..‬‬
    ‫وھو ثالثا لا يح ّدث رغبة في أن يح ّدث‪ ،‬بل لأن افشاء ھذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته‪ ،‬والا كان‬

                                           ‫كاتما للخير والحق‪ ،‬وكان مفرطا ينتظره جزاء المف ّرطين‪..‬‬
   ‫من أجل ھذا راح يح ّدث ويح ّدث‪ ،‬لا يص ّده عن الحديث صا ّد‪ ،‬ولا يعتاقه عائق‪ ..‬حتى قال له عمر يوما‬

                                                                              ‫وھو أمير المؤمنين‪:‬‬
                                        ‫" لتترك ّن الحديث عن رسول ﷲ‪،‬أو لألحقنك بأرض دوس"‪..‬‬

                                                                            ‫أي أرض قومه وأھله‪..‬‬
  ‫على أن ھذا النھي من أمير المؤمنين لا يشكل اتھاما لأبي ھريرة‪ ،‬بل ھو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاھا‬
 ‫ويؤكدھا‪ ،‬تلك ھي‪ :‬أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا‪ ،‬وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن‬

                                                                ‫حتى يق ّر وثبت في الأفئدة والعقول‪..‬‬
‫فالقرآن كتاب ﷲ‪ ،‬ودستور الاسلام‪ ،‬وقاموس الدين‪ ،‬وكثرة الحديث عن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪،‬‬

   ‫لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام‪ ،‬والتي يجمع القرآن خلالھا قد تسبب بلبلة لا‬
                                                                        ‫داعي لھا ولا جدوى منھا‪..‬‬
                                                                       ‫من أجل ھذا كان عمر يقول‪:‬‬

                                                         ‫" اشتغلوا بالقرآن‪ ،‬فان القرآن كلام ﷲ"‪..‬‬
                                                                                           ‫ويقول‪:‬‬

                                                   ‫" أقلوا الرواية عن رسول ﷲ الا فيما يعمل به"‪..‬‬

                                                              ‫‪213‬‬
   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218