Page 235 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 235

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

    ‫فاذا رأينا عبدالرحمن بن عوف في ثرائه العريض ھذا‪ ،‬رأينا انسانا عجبا يقھر طبائع البشر في ھذا‬
                                                                ‫المجال ويتخطاھا الى سم ّو فريد‪!..‬‬

    ‫حدث ذلك عندما كان عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه يجود بروحه الطاھرة‪ ،‬ويختار ستة رجال من‬
                         ‫أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬ليختاروا من بينھم الخليفة الجديد‪..‬‬
                                                       ‫كانت الأصابع تومئ نحو ابن عوف وتشير‪..‬‬
                                       ‫ولقد فاتحه بعض الصحابة في أنه أحق الستة بالخلافة‪ ،‬فقال‪:‬‬

       ‫" وﷲ‪ ،‬لأن تؤخذ مدية‪ ،‬فتوضع في حلقي‪ ،‬ثم ينفذ بھا الى الجانب الآخر أحب ال ّي من ذلك"‪!!..‬‬

  ‫وھكذا لم يكد الستة المختارون يعقدون اجتماعھم ليختاروا أحدھم خليفة بعد الفاروق عمر حتى أنبأ‬
‫اخوانه الخمسة الآخرين أنه متنازل عن الحق الذي أضفاه عمر عليه حين جعله أحد الستة الذين يختار‬

          ‫الخليفة منھم‪ ..‬وأ ّن عليھم أن يجروا عملية الاختيار بينھم وحدھم أي بين الخمسة الآخرين‪..‬‬
‫وسرعان ما أحله ھذا الزھد في المنصب مكان الحكم بين الخمسة الأجلاء‪ ،‬فرضوا أن يختار ھو الخليفة‬

                                                                      ‫من بينھم‪ ،‬وقال الامام علي‪:‬‬
        ‫" لقد سمعت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أھل السماء‪ ،‬وأمين في أھل‬

                                                                                       ‫الأرض"‪..‬‬
                                ‫واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلافة‪ ،‬فأمضى الباقون اختياره‪.‬‬

                                              ‫**‬

                                                               ‫ھذه حقيقة رجل ثري في الاسلام‪..‬‬
   ‫فھل رأيتم ما صنع الاسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته‪ ،‬وكيف صاغه في أحسن‬

                                                                                        ‫تقويم‪..‬؟؟‬
                                        ‫وھا ھو ذا في العام الثاني والثلاثين للھجرة‪ ،‬يجود بأنفاسه‪..‬‬
‫وتريد أم المؤمنين عائشة أن تخ ّصه بشرف لم تخت ّص به سواه‪ ،‬فتعرض عليه وھو على فراش الموت‬

                                           ‫أن يدفن في حجرتھا الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر‪..‬‬
                       ‫ولكنه مسلم أحسن الاسلام تأديبه‪ ،‬فيستحي أن يرفع نفسه الى ھذا الجوار‪!!...‬‬
   ‫ثم انه على موعد سابق وعھد وثيق مع عثمان بن مظعون‪ ،‬اذ تواثقا ذات يوم‪ :‬أيھما مات بعد الآخر‬

                                                                          ‫يدفن الى جوار صاحبه‪..‬‬

                                              ‫**‬

      ‫وبينما كانت روحه تتھيأ لرحلتھا الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمعو ولسانه يتمتم ويقول‪:‬‬
                                    ‫" اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال"‪..‬‬

 ‫ولكن سكينة ﷲ سرعان ما تغشته‪ ،‬فكست وجھه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتھللة المطمئنة‪..‬‬
                                 ‫وأرھفت أذناه للسمع‪ ..‬كما لو كان ھناك صوت عذب يقترب منھما‪..‬‬

                      ‫لعله آنئذ‪ ،‬كان يسمع صدق قول الرسول صلى ﷲ عليه وسلم له منذ عھد بعيد‪:‬‬

                                                             ‫‪235‬‬
   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240