Page 239 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 239

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

      ‫فلما اصبح فلم يجده مكانه‪ ..‬بل وجده في الحفرة ذاتھا طريحا‪ ،‬بيد أن ھذه المرة لم يكن في حفرته‬
                                                 ‫وحيدا‪ ،‬بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق‪.‬‬

‫واذا ھو في غضبه‪ ،‬وأسفه ودھشه‪ ،‬اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا الى الاسلام‪..‬‬
       ‫وراحوا‪ ،‬وھم يشيرون بأصابعھم الى الصنم المن ّكس المقرون بكلب ميت‪ ،‬يخاطبون في عمرو بن‬
           ‫الجموح عقله وقلبه ورشده‪ ،‬محدثينه عن الاله الحق‪ ،‬العلي الأعلى‪ ،‬الذي ليس كمثله شيء‪.‬‬
                      ‫وعن محمد الصادق الأمين‪ ،‬الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ‪ ..‬ليھدي‪ ،‬لا ليضل‪..‬‬

  ‫وعن الاسلام‪ ،‬الذي جاء يحرر البشر من الأعلال‪ ،‬جميع الأغلل‪ ،‬وجاء يحيى فيھم روح ﷲ وينشر في‬
                                                                                     ‫قلوبھم نوره‪.‬‬

                                                           ‫وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره‪..‬‬
     ‫وفي لحظات ذھب فطھر ثوبه‪ ،‬وبدنه‪ ..‬ثم تطيّب وتأنق‪ ،‬وتألق‪ ،‬وذھب عالي الجبھة مشرق النفس‪،‬‬

                                                  ‫ليبايع خاتم المرسلين‪ ،‬وليأخذ مكانه مع المؤمنين‪.‬‬

                                               ‫**‬

‫قد يسأل سائل نفسه‪ ،‬كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح‪ ..‬وھم زعماء قومھم وأشراف‪ ..‬كيف‬
                                                       ‫كانوا يؤمنون بأصنام ھازلة كل ھذا الايمان‪..‬؟‬

‫وكيف لم تعصمھم عقولھم عن مثل ھذا الھراء‪ ..‬وكيف نع ّدھم اليوم‪ ،‬حتى مع اسلامھم وتضحياتھم‪ ،‬من‬
                                                                                 ‫عظماء الرجال‪..‬؟‬

‫ومثل ھذا السؤال يبدو ايراده سھلا في أيامنا ھذه حيث لا نجد طفلا يسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة‬
                                                                                        ‫ثم يعبدھا‪..‬‬

    ‫لكن في أيام خلت‪ ،‬كانت عواطف البشر تتسع لمثل ھذا الصنيع دون أن يكون لذكائھم ونبوغھم حيلة‬
                                                                               ‫تجاه تلك التقاليد‪!!..‬‬

                                                                           ‫وحسبنا لھذا مثلا أثينا‪..‬‬
                                                      ‫أثينا في عصر باركليز وفيتاغورس وسقراط‪..‬‬
  ‫أثينا التي كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبھر الأباب‪ ،‬كان أھلھا جميعا‪ :‬فلاسفة‪ ،‬وحكاما‪ ،‬وجماھير يؤمنون‬
                                                      ‫بأصنام منحوتة تناھي في البلاھة والسخرية!!‬
            ‫ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة‪ ،‬لم يكن يسير في خط مواز للتفوق العقلي‪...‬‬

                                               ‫**‬

   ‫أسلم عمرو بن الجموح قلبه‪ ،‬وحياته رب العالمين‪ ،‬وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجود‬
                     ‫والسخاء‪ ،‬فان الاسلام زاد جوده مضاء‪ ،‬فوضع كل ماله في خدمة دينه واخوانه‪..‬‬

                ‫سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال‪:‬‬
                                                                         ‫من سيّدكم يا بني سلمة‪..‬؟‬

                                                                ‫قالوا‪ :‬الج ّد بن قيس‪ ،‬على بخل فيه‪..‬‬
                                                                        ‫فقال عليه الصلاة والسلام‪:‬‬

                                                              ‫‪239‬‬
   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244