Page 134 - merit 39 feb 2022
P. 134

‫العـدد ‪38‬‬                            ‫‪132‬‬

                                    ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

  ‫الإتيان بمثل القرآن‪ ،‬خاصة مع‬          ‫في اللغة‪ ،‬والقانون‪ ،‬والتاريخ‪،‬‬         ‫بمتطلبات التوصيل كالتزامها‬
  ‫وجود آيات لا تتفق مع البلاغة‬       ‫والفيزياء‪ ،‬والفلك‪ ،‬والطب‪ ،‬وعلم‬        ‫من حيث الشكل‪ ،‬مث ًل لم تخالف‬
 ‫التقليدية مثل‪ ..« :‬ولا طائر يطير‬      ‫الأجنة‪ ،‬مع الخلط الرجعي بين‬
                                                                              ‫نظرة الناس في القرن السابع‬
    ‫بجناحيه‪ ،”..‬حيث إنه لا يلزم‬                   ‫الإيماني والمعرفي‪.‬‬      ‫الميلادي للكون التي تعتبر الأرض‬
    ‫القول بجناحيه‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬         ‫ومن أسس الاعتقاد في إعجاز‬
‫“ليس على الأعمى حرج‪ ”..،‬لآخر‬         ‫القرآن تحديه معارضي الرسول‬             ‫مركزه‪ ،‬والسماء سقف مرفوع‬
                                     ‫أن يأتوا بسورة أو آية من مثله‪،‬‬             ‫بلا عمد‪ ،‬والنجوم مصابيح‬
                          ‫الآية‪.‬‬         ‫وهذا التحدي منطقي ومؤكد‬
‫والإعجاز البلاغي للقرآن أص ًل لا‬     ‫النتيجة؛ فلا يمكن لأحد أن يأتي‬        ‫وزينة‪ ،‬وتمسك عناية الله السماء‬
‫يتماشى مع عالمية رسالة القرآن‪،‬‬       ‫بمثل أي نص مهما كان‪ ،‬من هذا‬          ‫والنجوم عن الوقوع على الأرض‪،‬‬
                                       ‫الذي يمكنه أن يأتي بمثل أحد‬
    ‫حيث لا يمكن لغير متقن للغة‬       ‫أعمال شيكسبير أو جوته مث ًل؟!‬          ‫والجبال أوتاد تمنع الأرض عن‬
   ‫العربية إدراكه بفرض وجوده‪،‬‬       ‫وثابت رجعيًّا أن عمر بن الخطاب‬        ‫أن تختل‪ ،‬والشمس تغرب في عين‬
                                     ‫قال ما وافقه الله فيه وصار من‬         ‫حمئة‪ ،‬والشهب رجوم للشياطين‬
      ‫خاصة أنه لم يدركه العرب‬       ‫القرآن‪ ،‬وفي حديث الغرانيق يقال‬         ‫التي تسترق السمع أي تتجسس‬
   ‫البلغاء مدة ثلاثة عشر عا ًما في‬      ‫إن الشيطان قد ألقى في روع‬
   ‫مكة‪ ،‬ولسنا في مقام التفصيل‪.‬‬        ‫النبي ما التبس عليه‪ ،‬وفي جمع‬                    ‫على الملأ الأعلى‪ ..‬إلخ‪.‬‬
    ‫الحاصل هو أن عين التقديس‬         ‫القرآن كان من الضروري لقبول‬               ‫والآن‪ ،‬ثبت يقينًا أن الأرض‬
‫تحملق في القرآن لمدة ‪ ١٤٠٠‬سنة‬        ‫أي آية في القرآن شهادة رجلين‪،‬‬              ‫بالنسبة للكون أقل من حبة‬
‫متصلة‪ ،‬فتجاوزت رجعيًّا الاعتقاد‬         ‫بما يعني أنه كان يمكن إثبات‬             ‫رمل في الصحراء‪ ،‬والجبال‬
‫بالإعجاز «البلاغي» إلى كل ممكن‬        ‫ما ليس من القرآن في مصحف‬            ‫بالنسبة للأرض كتعرجات قشرة‬
                                      ‫عثمان‪ ،‬أي أنه كان هناك تسليم‬        ‫البرتقالة‪ ،‬والشهب تشتعل نتيجة‬
     ‫من أنوع الإعجاز‪ ،‬التاريخي‬        ‫بإمكان الإتيان من الآيات بمثل‬             ‫احتكاك الكويكبات السيارة‬
‫والعلمي والرقمي‪ ،‬وجمعيها يمكن‬                                               ‫بالغلاف الجوي‪ ،‬والنجوم أكبر‬
                                                            ‫القرآن‪.‬‬             ‫كثي ًرا من الأرض ولا يمكن‬
   ‫اعتباره من التعاملات الشكلية‬         ‫هذا ولا يمكن تحديد مرجعية‬          ‫تصور سقوطها هي ولا السماء‪،‬‬
    ‫مع القرآن‪ ،‬وتقوم على أساس‬        ‫تحكم في المسألة لو ادعى أحد ما‬        ‫والشمس لا تغطس عند الغروب‬
 ‫لغوي بالتأويل‪ ،‬ولي عنق المعاني‪،‬‬       ‫أنه أتى بمثل القرآن‪ ،‬أو أفضل‬         ‫في عين حمئة «موحلة»‪ ..‬وهكذا‬
‫وربما الكذب والتدليس واستغلال‬       ‫منه‪ ،‬ولو جاء صيني مث ًل وادعى‬         ‫هناك الكثير من هذه الوجهة فقط‪،‬‬
                                    ‫أن معه كتا ًبا معج ًزا أنزله الله من‬
                    ‫المصادفات‪.‬‬       ‫السماء فكيف يدرك هذا الإعجاز‬                 ‫ناهيك عن باقي النواحي‪.‬‬
‫والقول بالإعجاز البلاغي مناسب‬       ‫من لا يعرف اللغة الصينية معرفة‬           ‫وما سبق يكاد ينطق بتاريخية‬
                                                                          ‫القرآن‪ ،‬أي ارتباطه بمكان وزمان‬
   ‫للعقل الذي يتباهى بالفصاحة‪،‬‬                        ‫جيدة للغاية؟!‬           ‫تنزيله بحيث يبدو أن الأصح‬
      ‫ويتميز بالشفاهية والبؤية‪،‬‬         ‫كل ذلك ‪-‬والنص بين أيدينا‪-‬‬             ‫والأكثر معقولية هو القول إن‬

  ‫لكنه غير مناسب لغير المتكلمين‬           ‫يؤكد ويبرر تاريخ الرجعية‬              ‫العبرة بخصوص السبب لا‬
     ‫بالعربية‪ ،‬وحيث دار الزمان‬            ‫الدينية في البحث حول هذا‬                           ‫بعموم اللفظ‪.‬‬
                                       ‫النوع من «الإعجاز»‪ ،‬قيل مث ًل‬
   ‫واشتد حضور العلم في الواقع‬          ‫بالصرفة‪ ،‬أي أن وجه الإعجاز‬            ‫وبنى الخطاب الديني الرجعي‬
    ‫وكشفه عن حقائق كان الدين‬           ‫«البلاغي» أو «البياني» أن الله‬         ‫رؤاه بإعجاز القرآن على عدة‬
  ‫قد استثمر الجهل بها‪ ،‬انتشرت‬              ‫صرف العرب عن محاولة‬               ‫اعتبارات‪ ،‬منها رؤيته الحرفية‬
                                                                          ‫لآية مثل «ما فرطنا في الكتاب من‬
       ‫مزاعم الإعجاز العلمي على‬                                            ‫شيء»‪ ،‬بالظن أن معناها شمول‬
‫الأساس اللغوي‪ ،‬البؤيئي‪ ،‬الذي لا‬                                              ‫القرآن لكل المعارف الإنسانية‪،‬‬
                                                                            ‫وهكذا فإنهم يجعلون منه كتا ًبا‬
                ‫غنى عنه رجعيًّا‪.‬‬
‫ومن الفصامية هذا التمحك الديني‬

  ‫بالعلم أعظم تمثلات العقل الذي‬
     ‫تعاديه الرجعية الدينية ذاتها‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139