Page 170 - merit 39 feb 2022
P. 170

‫العـدد ‪38‬‬                                ‫‪168‬‬

                                          ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                         ‫الحلو»‪ ،‬التي تتغنَّى مقاطعها‬
                                                                               ‫التي لا حصر لها‪ ،‬م َّرة بعد‬
    ‫كأ َّنه قد انفصل عن بقية‬                 ‫بعبد العزيز محمود الذي‬          ‫م َّرة وطوال ما ُيقارب الساعة‬
   ‫جسدها‪ .‬كان رقص تحية‬                    ‫كان غاف ًل عنها إلى ح ٍّد بعيد‪.‬‬       ‫الكاملة‪ ،‬بالمرأة التي طوت‬
    ‫أشبه بأرابيسك متطاول‬                  ‫فكانت تنزلق من ورائه‪ ،‬فيما‬
                                                                                 ‫ذلك المنديل‪ ،‬ومسحت به‬
      ‫ُتحكم صنعه من حول‬                       ‫هو يدندن برتابة‪ ،‬فتبدو‬             ‫دموعها‪ ،‬وز َّينت شعرها‪.‬‬
‫شريكها الجالس‪ .‬لم تنطتط‪،‬‬                   ‫كما لو أ َّنها ستقع بين يديه‪،‬‬
 ‫أو تهزهز نهديها‪ ،‬أو تتق َّدم‬               ‫ُمقلِّدة إياه وهازئة منه‪ ،‬كل‬            ‫تواصلت هذه الأغنية‬
‫من أحد لتدفعه أو تحت َّك به‪.‬‬               ‫ذلك من غير أن تلمسه البتَّة‬           ‫خمسين دقيقة على الأقل‬
                                                                                 ‫قبل أن تظهر تحية فجأ ًة‬
  ‫كان ث َّمة تر ٍّو مهيب في ك ِّل‬                ‫أو تستثير ر َّدة فعله‪.‬‬        ‫على بعد بضعة أقدام خلف‬
   ‫شيء بما في ذلك المقاطع‬                 ‫كانت أُحجيتها الش َّفافة تتد َّل‬    ‫كرسي المطرب‪ .‬كنَّا جالسين‬
  ‫السريعة‪ .‬و َعلِ َم ك ٌّل منَّا أنه‬                                          ‫في أبعد الأماكن عن المن َّصة‪،‬‬
‫يعيش تجربة إيروسية هائلة‬                     ‫فوق البكيني المح َّور الذي‬       ‫لكن البدلة الزرقاء الوامضة‬
‫الإثارة‪ ،‬نظ ًرا لإرجائها الذي‬                 ‫ُيش ِّكل جز ًءا أساسيًّا من‬      ‫المتلألئة التي كانت ترتديها‬
 ‫لا ينتهي‪ ،‬تجربة ما كان لنا‬                   ‫بدلتها دون أن يكون أب ًدا‬         ‫خطفت أبصارنا‪ ،‬فيا لذلك‬
 ‫أن نحلم بأن نصادف مثلها‬                   ‫مصدر جاذبيتها الأساسي‪.‬‬
‫أب ًدا في حياتنا الواقعيَّة‪ .‬وتلك‬             ‫فجمال رقصها يكمن في‬                  ‫اللمعان في التِّر ِتر‪ ،‬ويا‬
  ‫على وجه الد َّقة هي النقطة‬                   ‫تكامله‪ :‬في ما ُتخلِّفه من‬        ‫لوقفتها الهادئة المضبوطة‬
 ‫المُه َّمة‪ :‬فقد كان ذلك ضر ًبا‬           ‫شعو ٍر بجس ٍد ُمذهل في لدانته‬
   ‫من الجنس بوصفه حد ًثا‬                     ‫و ُحسنه يتماوج من خلف‬                 ‫وهي تق ُف هناك واثقة‬
‫عا ًّما‪ُ ،‬مخ ّط ًطا و ُمن ّف ًذا ببراعة‪،‬‬   ‫ع َّدة معقدة من الزينة المؤلفة‬     ‫تما ًما‪ .‬إ َّن جوهر فن الرقص‬
    ‫لكنه مستع ٍص تما ًما على‬                   ‫من الشرائط‪ ،‬والأحجية‬
                                             ‫والعقود‪ ،‬وسلاسل الذهب‬                 ‫العربي التقليدي‪ ،‬شأن‬
        ‫الاكتمال أو التح ُّقق‪.‬‬             ‫والف َّضة‪ ،‬التي تبعث حركا ُت‬         ‫مصارعة الثيران‪ ،‬ليس في‬
‫قد تلجأ بعض الراقصات إلى‬                     ‫تحية فيها الحياة على نح ٍو‬      ‫كثرة حركات الراقصة وإ َّنما‬
‫الحركة البهلوانية‪ ،‬أو التزلق‬              ‫ُمتع َّمد وعلى نح ٍو ُمفترض في‬      ‫في قلَّتها‪ :‬وحدهن المبتدئات‪،‬‬
                                            ‫بعض الأحيان‪ .‬إ َّنها لتقف‪،‬‬           ‫أو المُقلِّدات البائسات من‬
     ‫على الأرض‪ ،‬أو التع ِّري‬                ‫مث ًل‪ ،‬وتبدأ بتحريك وركها‬           ‫يونانيَّات وأمريكيَّات‪ ،‬من‬
     ‫الخفيف‪ ،‬أما تحية فلا‪.‬‬                   ‫الأبيض ببطء‪ ،‬الأمر الذي‬           ‫ُيواصلن الهزهزة والنطنطة‬
 ‫فرشاقتها وأناقتها توحيان‬                     ‫يبعث الحركة في طماقيها‬          ‫الفظيعة هنا وهنا ما ُيحسب‬
  ‫بما هو كلاسيكي تما ًما بل‬                ‫الفضيين‪ ،‬وفي الخرز المتد ِّل‬
‫ومهيب‪ .‬والمفارقة أ َّنها كانت‬                                                     ‫«إثارة» وإغرا ًء حريميًّا‪.‬‬
  ‫ملموسة وقريبة كما كانت‬                        ‫على الجانب الأيمن من‬         ‫فالهدف يتمثّل في إحداث أثر‬
    ‫نائية‪ ،‬لا ُتطال‪ ،‬ولا ُتنال‬             ‫خصرها‪ .‬وإذ تفعل كل هذا‪،‬‬
 ‫في آ ٍن م ًعا‪ .‬وفي عالم الكبت‬              ‫فإ َّنها ترنو إلى هذه الأجزاء‬       ‫عن طريق الإيحاء أسا ًسا‬
    ‫الشديد الذي كنَّا نعيشه‬                                                        ‫(إنما ليس حص ًرا على‬
   ‫كانت تلكم الصفات تع ِّزز‬                    ‫المتحركة و ُتثبِّت نظراتنا‬
 ‫الانطباع الذي خلَّفته تحية‪.‬‬                  ‫المُح ِّدقة إليها نحن أي ًضا‪،‬‬   ‫الإطلاق)‪ ،‬وذلك عبر سلسلة‬
 ‫وأذكر على وجه الخصوص‬                       ‫كأ ّننا جمي ًعا إزاء مسرحيَّة‬       ‫من الحوادث المُترابطة م ًعا‬
     ‫أ َّنها ما إن بدأت ترقص‬                 ‫صغيرة مستقلة‪ ،‬مضبوط‬              ‫بصي ٍغ ُمتعاقبة‪ ،‬أو موتيفات‬
 ‫حتَّى ارتسم على وجهها ما‬                     ‫الإيقاع ك َّل الضبط‪ُ ،‬نعيد‬      ‫متك ِّررة‪ ،‬على ذلك النحو من‬
    ‫بدا وكأنه بسمة صغيرة‬                       ‫فيها تكوين جسدها على‬           ‫التوليف الكامل الذي ق َّدمته‬
  ‫مستغرقة في ذاتها لازمتها‬                   ‫النحو الذي يسلِّط الضوء‬
                                          ‫على جانبها الأيمن الذي يبدو‬         ‫تحيَّة في تلك الليلة‪ .‬فموتيف‬
                                                                                 ‫تحيَّة الأساسي‪ ،‬بالنسبة‬

                                                                             ‫لـ»منديل الحلو»‪ ،‬هو علاقتها‬
   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175