Page 176 - merit 39 feb 2022
P. 176

‫العـدد ‪38‬‬                                 ‫‪174‬‬

                                  ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                            ‫وما إن أنهت دعاءها حتى‬
                                                                       ‫انفجر ُت بسؤال ُمح َّدد تما ًما‬
‫مثل هذه الطاقات‪ .‬فبمقدورك‬              ‫عن استقالة الشيخوخة‬            ‫ويائس كنت قد كتمته طوي ًل‬
‫أن تح َّس بتلك الشجاعة التي‬        ‫الورعة وعزلتها‪ ،‬فقد كشف‬
                                    ‫هذا الجيشان عن شخصيَّة‬               ‫في داخلي‪ ،‬ربما منذ رأيتها‬
   ‫تبديها في علاقتها بمراكز‬         ‫فردانيَّة و ُمقاتلة‪ .‬غير أ َّنني‬   ‫ترق ُص عام ‪« :1950‬كم مرة‬
‫السلطة‪ ،‬وبالتحدي الذي لدى‬                                               ‫تزوج ِت يا تحية؟» كان هذا‬
 ‫امرأة ح َّرة‪ .‬وحين ذهب ُت إلى‬       ‫شعر ُت أي ًضا بتلك الروح‬           ‫أقر ُب ما استطع ُت التوصل‬
 ‫أرشيف السينما المركزي في‬            ‫الرومانسيَّة لدى شخ ٍص‬
‫القاهرة في اليوم التالي للبحث‬     ‫ُخدع مرا ًرا لكنَّه على استعداد‬        ‫إليه في سؤالها عن الصلة‬
 ‫عن صو ٍر لها ومواد مكتوبة‬          ‫أن يقع في الحب من جديد‬            ‫بين حسيَّة رقصها (وبسمتها‬
                                      ‫إذا ما واتته الفرصة‪ .‬لقد‬
  ‫عنها‪ ،‬لم أجد سوى مسلخ‪،‬‬              ‫أ َّرخت لنا تحية بتفصيل‬               ‫المُدهشة تلك) وحياتها‬
‫ش َّقة صغيرة في وسط المدينة‬          ‫لا رحمة فيه آخر المتاعب‬                            ‫الخا َّصة‪.‬‬
                                    ‫التي عاشتها مع رجل‪ ،‬هو‬
   ‫التجاري‪ ،‬فيها من الع َّمال‬         ‫ذلك فايز حلاوة‪ .‬غير أ َّن‬       ‫تب َّدلت ملامحها تب ُّد ًل صاع ًقا‪.‬‬
  ‫ما يفوق الحاجة‪ ،‬وفيها من‬            ‫تعاطفنا معها كان كام ًل‪،‬‬              ‫ولم تكد تنهي صلاتها‬
   ‫التصاميم الغامضة لكتابة‬         ‫شأنه حين راحت مع نبيهة‬
                                     ‫تطاردان مو ِّزع أفلام ثر ًّيا‬       ‫حتَّى استقامت في جلستها‬
    ‫تاريخ مصر الفنِّي الغني‬         ‫كان ُيحاول التلاعب بأمور‬              ‫ر ًّدا على سؤالي‪ ،‬وانتصب‬
    ‫أكثر م َّما فيها من الخطط‬      ‫النقابة‪ .‬وتنهدت تحية قائلة‪:‬‬          ‫مرفقها على نح ٍو مستف ٍّز في‬
 ‫الرامية لتنفيذ ذلك‪ .‬ووجد ُت‬      ‫«آه من الرجال»‪ ،‬فيما عيناها‬           ‫وجهي‪ ،‬فيما راحت ذراعها‬
 ‫حينئ ٍذ أن تحية هي تاريخها‬                                             ‫الأخرى تل ِّوح في الهواء على‬
   ‫ذاته‪ ،‬تاري ٌخ غير مو َّثق إلى‬         ‫تتطلَّعان إل َّي بفضول‪.‬‬       ‫نح ٍو خطابي‪« .‬كثي ًرا»‪ ،‬ر َّدت‬
 ‫ح ّد بعيد لكنَّه لا يزال مهيب‬    ‫لقد عرفت تحية تقاليد عالمها‬             ‫بحسم‪ ،‬وبصو ٍت ين ُّم على‬
                                                                         ‫الصفاقة التي يقرنها المرء‬
        ‫الحضور‪ ،‬بل وه َّدا ًما‬       ‫وقوالبه‪ ،‬وكانت تحترمها‬             ‫بفتيات الليل‪ .‬وبدت عيناها‬
                                   ‫إلى ح ٍّد بعيد‪ .‬فقد كانت ابنة‬
         ‫‪----------‬‬                 ‫مطيعة في الماضي‪ ،‬وها هي‬                 ‫ونبرتها كأ َّنها ُتضيف‪:‬‬
                                                                         ‫«ومالو؟ لقد عرفت الكثير‬
   ‫* نق ًل عن جريدة “المصري‬           ‫الآن عجوز مسلمة تقيَّة‪.‬‬          ‫من الرجال»‪ .‬ولكي ُتخرجنا‬
       ‫اليوم” ‪.2020 /9 /21‬‬            ‫غير أ َّن تحية كانت أي ًضا‬         ‫نبيهة‪ ،‬المد ِّققة أب ًدا‪ ،‬من هذا‬
                                    ‫رم ًزا لكل ما هو غير ُمدار‪،‬‬        ‫المأزق الصغير‪ ،‬سأ َلتها ع َّمن‬
    ‫* النص منشور في جريدة‬         ‫وغير مضبوط‪ ،‬وغير ُمختار‬              ‫أحبَّت أو أ َّثر فيها من هؤلاء‬
    ‫“الأهرام” عام ‪ 1990‬وأعيد‬        ‫في ثقافتها‪ :‬لقد كانت حياة‬          ‫الرجال‪ .‬فر َّدت بقسوة‪« :‬ولا‬
    ‫نشره في كتاب “تأملات في‬         ‫العالمة‪ ،‬والراقصة‪ ،‬والممثلة‬        ‫واحد»‪ .‬وأعقبت إعلانها هذا‬
 ‫المنفى” الصادر عن دار الآداب‬       ‫الف َّذة ح ًّل مثاليًّا لتصريف‬     ‫بسلسلة من الحشو‪ .‬وبعي ًدا‬
  ‫البيروتيّة عام ‪ 2004‬بترجمة‬

                    ‫ثائر ديب‪.‬‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181