Page 136 - merit 40 apr 2022
P. 136

‫العـدد ‪40‬‬   ‫‪134‬‬

                                                       ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

    ‫بهما على حافتي الباب الصغير‪ ،‬رأسها محن ٌّي كما‬        ‫من أكثر الأحداث التي سردتها الروائية وتدلل على‬
  ‫لو أنها أصابتها طعنة في قلبها‪ ،‬على شفتيها ابتسامة‬         ‫تنامي سيمياء الشعور‪ ،‬حادثة أكل الجرذان لقدم‬
  ‫تشبه ابتسامة أي شبح‪ ،‬وفي عينيها نصف المغلقتين‬            ‫«إنتصار» المشلولة‪ ،‬في ص‪ 181‬و‪ 182‬و‪ .183‬نقرأ‬
                                                            ‫«دخل علينا الحاج محمد وأخذ يضرب بهستيريا‬
    ‫بريق الرضا بالمقسوم‪ ،‬والثمن الباهظ الذي دفعته‬         ‫عد ًدا كبي ًرا من الجرذان كانت قد استفردت بقدمها‬
‫مقابل ليلة عشق واحدة» ص‪ .255‬وذلك صورة تشبه‬               ‫المشلولة»‪ ،‬وكذلك «معلهشي يا ابنتي‪ ،‬معلهشي»‪ ،‬ثم‬
                                                       ‫يضيف‪« :‬وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة‪.‬‬
   ‫بعض الصور التي ُيرسم بها المسيح‪ .‬استدعاء رمز‬             ‫سمعت صوت نشيجه للم َّرة الأولى كانت دموعه‬
   ‫المسيح عليه السلام هنا للدلالة والتعبير عن العذاب‬     ‫تمتزج بدموعها‪ ،‬وهو يقبِّل ك َّل جز ٍء في وجهها»‪ .‬هنا‬
‫والآلام التي يواجها الإنسان في العموم وعذاب «مريم»‬     ‫نجد المشاعر والعواطف والأهواء بما يفوق وصفها في‬
‫بالخصوص الذي هو عذاب الانتظار ودفع ثمن اختيار‬          ‫كلمات‪ ،‬ونجد أثر الموقف يعطي دلالة الإحساس وليس‬
 ‫ليلة عشق واحدة‪ .‬ودلالة التعبير عن صيرورة البعث‬           ‫فقط بمعناه‪ ،‬وكذلك وقع المشهد وما به من مشاعر‬
‫والتجدد‪ ،‬كل ذلك في حالة من التأكيد على مزج الرموز‬      ‫الشخصيات وعلى المتلقي‪ ،‬فمنها مشاعر الحب والوفاء‬
                                                          ‫من «محمد» الزوج‪ ،‬وكذلك مشاعر الغيرة المستترة‬
    ‫الدينية ببناء الرواية ككل وشخصياتها وأحداثها‪.‬‬       ‫من «وحيدة» تجاه حب «محمد» الكبير لزوجته الأولى‬
 ‫وكذلك حتى يتقبل المتلقي فكرة ظهورها من جديد في‬             ‫إنتصار‪ ،‬ومشاعر الحزن والأسى والانكسار من‬
  ‫حالة من قيام روح جديدة لها‪ ،‬فالمسيح عليه السلام‬      ‫«إنتصار» التي كانت تعيش أحاسيس القوة والسطوة‪.‬‬
                                                          ‫ومشاعر الموجودين من تحسر على «إنتصار» التي‬
   ‫صاحب معجزة إحياء الموتى‪ .‬هي عاشت في قبو له‬           ‫كانت لها كلمتها وقوتها‪ ،‬وتأتي الجرذان تأكل قدمها‪،‬‬
 ‫باب بينه وبين البيت بكل إرادة منها‪ .‬وتنتهي الرواية‬    ‫بل كيف عرفت هذه الجرذان اللئيمة أن قدمها مشلولة‪.‬‬
 ‫برمزية ميلاد مسيح جديد متمثل في مريم التي تمثل‬        ‫وهذا يحيلنا إلى دلالة أكبر وهي أن أي أمة أو حضارة‬
  ‫قيام الروح وليس جسد فقط‪ ،‬وكل ذلك في دلالة أن‬           ‫أو فكرة أو حتى مؤسسة قوية إذا حدث لها ضعف‬
  ‫هذا الإنسان الجدير بالعيش وخلافة الله على أرضه‬         ‫ما أو هزيمة أو انكسار سوف تأتي أسوأ المخلوقات‬

      ‫يجب أن يقوم بعد أي فشل ولا يستسلم للموت‬                           ‫لتنهش جسدها لمجرد أنها ضعفت‪.‬‬
    ‫المعنوي‪ ،‬بل عليه أن يقاوم ويخرج من جديد‪ .‬ولو‬         ‫ومثال كذلك حدث قتل ألهم لزوجته وحبيبته جميلة‪.‬‬
‫قدر لمريم الفوز بحبها الحقيقي بكل رمزيته من تعليم‬
  ‫أو ثقافة أو عمل أو مستقبل أو حتى وجدت وفهمت‬              ‫وكيف تحول الحدث الحميمي الذي فيه الكثير من‬
     ‫نفسها ما دخلت ذلك القبو بكل رمزيته من زواج‬        ‫المشاعر الدالة على الحب والتماهي واللذة إلى لذة القتل‬
  ‫فاشل أو قبول أي وظيفة أو حزن أو اكتئاب أو ندم‪.‬‬        ‫بما فيها من اغتصاب روح ونزعها من جسد حي بلا‬
 ‫في النهاية الرواية هي الحياة كرحلة ومغامرة كبيرة‪،‬‬
  ‫وصراع الإنسان فيها على البقاء‪ ،‬وكل إنسان يختار‬          ‫أي مشاعر للتراجع في أثناء الحدث أو الندم بعدها‪.‬‬
    ‫إما إطعام الروح أو إطعام الجسد‪ ،‬أو يتوازن بين‬                             ‫نقرأ ذلك ص‪ 204‬إلى ‪.205‬‬
   ‫الإثنين في رواية تتعدد فيها الشخصيات الدالة على‬
‫ذلك‪ .‬وتصبح المرأة الرواية مرادف للحياة‪ ،‬وتتركنا مع‬            ‫سيميائية إحصاء بعض المفردات‪ ،‬يسجل مدى‬
  ‫تساؤل عن حدود الحقيقة والخيال‪ ،‬والمسألة تنتهي‬         ‫حضورها وتأثيرها في السرد‪ ،‬فنجد مفردة «ألهم» لما‬
   ‫عند المتلقي‪ ،‬فليتخيل أو يتصور أو يقبل أو يرفض‪،‬‬        ‫لها من دلالة تأثير قوي على الأحداث قد كتبت ‪182‬‬
 ‫لكن لا ننسى أننا نعيش جمي ًعا على هذه الحديقة التي‬    ‫مرة‪ ،‬هي شخصية متحركة لتنامي السرد والانفعالات‬
    ‫بها الأفكار والكتابة التي تهزم الموت وتخلد المعنى‬
                                                          ‫وما لها من أثر بطولي‪ ،‬نقرأ ص‪« 12‬الشاطر «ألهم»‬
                                 ‫الإنساني العام‪.‬‬         ‫سينجو من ال َّضواري‪ ،‬ومن بنا ِت آوي‪ ،‬ومن الحيَّات‬
 ‫الحياة التي تجمع كل التناقضات‪ ،‬وهي مكان يحاول‬
 ‫الإنسان أن يعيش فيه حياة آمنة‪ ،‬ولكل إنسان ميوله‬                          ‫التي تحت الأرض والتي فوقها»‪.‬‬
 ‫وغاياته ورغباته‪ ،‬وكلما زادت المعرفة يتعمق الشعور‬        ‫النهاية دراماتيكية من خروج «مريم» فاردة ذراعيها‬
   ‫بالنقص‪ ،‬فوجب علينا المضي أكثر نحو معرفة أكبر‬
                                                           ‫ورأسها محني‪ ،‬نقرأ «كانت فاردة ذراعيها لتستند‬
   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141