Page 141 - merit 40 apr 2022
P. 141

‫‪139‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫اليمانية القحطانية في مواجهة‬          ‫أعظم؛ لأن بني أسد لا يقاومون‬             ‫كان سببًا إضافيًّا لما ذكرناه آن ًفا‬
     ‫المعارضين‪ ،‬سوا ًء أكانوا من‬         ‫بني أمية في جاهلي ٍة ولا إسلام»‬           ‫من انتقال الصراع العصبي إلى‬
  ‫المضرية عمو ًما أو من القرشية‬
 ‫خصو ًصا‪ ،‬والعباسيون استندوا‬                 ‫(المقدمة‪ ،‬ص‪ 398‬و‪.)399‬‬                                     ‫الأندلس‪.‬‬
   ‫في اسقاط العصبية الأموية إلى‬             ‫في سبيل الفوز بـ»الخلافة‪-‬‬                 ‫وبسبب «الخلافة‪ -‬الإمامة‪-‬‬
  ‫القبائل العربية اليمنية من «أهل‬                                                  ‫السلطة» أي ًضا تعرضت مكة في‬
‫التقادم» في خراسان‪ ،‬والتي كانت‬                 ‫الإمامة‪ -‬السلطة» انقلبت‬              ‫العهد الأموي للحصار مرتين‪:‬‬
 ‫قد استقرت هناك منذ الفتوحات‬             ‫العصبية العباسية على العصبية‬             ‫الأولى في عهد يزيد عندما رفض‬
                                        ‫العلوية‪ -‬الطالبية بعدما كانتا في‬           ‫عبد الله بن الزبير مبايع َته ولاذ‬
        ‫الأولى‪ ،‬وكذلك على الموالي‬       ‫طريق واحد لانتزاع الخلافة من‬             ‫بها‪ ،‬والثانية في عهد عبد الملك بن‬
    ‫من «عجم» إيران‪ ،‬وبالأخص‬            ‫العصبية الأموية‪ ،‬فقام العلويون‪-‬‬           ‫مروان بعد أن كان ابن الزبير قد‬
    ‫ال ُخراسانيين‪ ،‬فشهدت الدولة‬        ‫الطالبيون بالثورات وتعرضوا من‬               ‫أعلن الخلافة لنفسه غداة وفاة‬
‫والمجتمع فيما بعد صرا ًعا «عربيًّا‬       ‫جراء ذلك إلى صنو ٍف شتى من‬                   ‫يزيد‪ ،‬حيث حصل الانشطار‬
 ‫إيرانيًّا» تجلى على صعيد المجتمع‬       ‫المطاردة والقتل والسجن والنفي‬                 ‫الثاني في الخلافة‪ .‬وفي كلتا‬
    ‫في بروز «الحركة الشعوبية»‬                                                        ‫المرتين اُنتهكت ُقدسية الكعبة‬
  ‫وال َفخار المتبا َدل بالن َسب‪ ،‬وذلك‬       ‫والإجلاء أو الإقامة الجبرية‪،‬‬          ‫و ُدكت بالمجانيق وأُصيب الحجر‬
   ‫ما هو ملحوظ في شعر المرحلة‬            ‫زياد ًة عما تعرضوا له في العهد‬          ‫الأسود ولحقت به أضرار‪ ،‬فض ًل‬
 ‫العباسية وآدابها‪ .‬أما على صعيد‬          ‫الأموي‪ .‬ومن أجل تثبيت أحقي ِة‬              ‫عما شب فيها من حريق؛ ولم‬
‫الدولة فكان من أجلى مظاه ِر ذلك‬          ‫عصبي ٍة من العصبيات أو أحقية‬            ‫تن ُج مكة في العصور اللاحقة من‬
  ‫الصراع‪ :‬البرامك ُة ال ُخراسانيون‬     ‫فر ٍد فيها داخل العصبية الواحدة‪،‬‬              ‫الحصارات وانتهاك القدسية‪.‬‬
    ‫ونكبتهم‪ ،‬وانحياز الفرس إلى‬                                                        ‫قد يكفي أن نذكر هنا أنه في‬
   ‫المأمون‪ ،‬حيث أعانوه على خلع‬              ‫كانت ُت َحز الرؤوس و ُتص َلب‬         ‫خضم الصراع على الخلافة هاجم‬
   ‫أخيه الأمين ثم قتلوه في بغداد‬       ‫الأبدا ُن و ُتن َبش القبو ُر و ُتستخ َرج‬   ‫القرامطة أواخر العصر العباسي‬
‫دون مشورة المأمون الذي كان في‬                                                         ‫الثاني الكعبة ونقلوا الحجر‬
                                            ‫الجثامي ُن و ُتض َرب بالسياط؛‬        ‫الأسود إلى « َه َجر»‪ ،‬الواقعة شرق‬
                        ‫« َمرو»‪.‬‬              ‫وذلك كما فعل العباسيون‬             ‫الجزيرة العربية فيما كان ُيسمى‬
 ‫بين سنة ‪193‬هـ التي تولى فيها‬                                                     ‫حينها إقليم البحرين‪ ،‬فاحتفظوا‬
                                         ‫بجثة هشام بن عبد الملك عندما‬                 ‫به اثنين وعشرين عا ًما كان‬
   ‫الأمين الخلافة وسنة ‪204‬هـ‬           ‫استو َلوا على دمشق‪ ،‬أو كما نب َش‬          ‫المسلمون خلالها يطوفون بدونه‪.‬‬
  ‫التي عاد فيها المأمون إلى بغداد‬                                                 ‫وفي ثورتي الحسين وابن الزبير‬
  ‫واستقرار الخلافة له‪ ،‬كانت قد‬             ‫الأمويون في الكوفة جثة زيد‬                 ‫ضد البيت الأموي يقول ابن‬
 ‫حصلت بضع ُة انشطارا ٍت أخرى‬               ‫بن عليٍّ وصلبوها ثم حرقوها‬                ‫خلدون إن الحسين على رغم‬
                                          ‫وذروا رما َدها في الفرات‪ .‬ذلك‬             ‫أهليته للخلافة و»زيادة»‪ ،‬فقد‬
    ‫من الانشطارات الكثيرة التي‬          ‫على سبيل المثال لا الحصر‪ ،‬لكنه‬             ‫أخطأ حين تجاهل شوكة يزيد‪،‬‬
     ‫شهدتها الخلافة‪ ،‬حيث بايع‬             ‫ُيشير في كل الأحوال إلى أص ٍل‬              ‫لأن «عصبية ُمضر في قريش‬
  ‫الخراسانيون المأمون في «مرو»‬           ‫من أصول ما شهدناه ونشهده‬                   ‫وعصبية قريش في عبد مناف‪،‬‬
‫سنة ‪195‬هـ‪ ،‬بينما استمر الأمين‬             ‫حاض ًرا من عن ٍف دموي دفا ًعا‬          ‫وعصبية عبد مناف في بني أمية؛‬
   ‫خليف ًة في بغداد حتى مقتله في‬       ‫عن فكرة الخلافة أو الولاية‪ ،‬فهو‬              ‫تع ِرف لهم ذلك قريش وسائر‬
                                         ‫عن ٌف ناب ٌت من تلك الجذور ولا‬              ‫الناس‪ ،‬ولا ينكرونه»‪ ،‬أما ابن‬
                   ‫سنة ‪198‬هـ‪.‬‬          ‫يختلف عنها إلا بكو ِن ِه أكث َر دموي ًة‬         ‫الزبير فـ»غ َل ُط ُه في الشوكة‬
‫في سنة ‪195‬هـ خرج أبو ال َع َم ْيطر‬
                                                   ‫وبأسلح ٍة أكث َر فت ًكا‪.‬‬
  ‫علي بن عبدلله بن خالد بن يزيد‬           ‫في حروبها الداخلية‪ ،‬كانت تلك‬
 ‫بن معاوية السفياني «بالعصبية‬           ‫العصبيات تتحالف مع عصبيا ٍت‬
   ‫اليمانية» وأعلن الخلافة لنفسه‬
                                               ‫أخرى من خارج دائرتها‬
                                             ‫العصبية؛ فالأمويون كانوا‬
                                        ‫يستندون عند الحاجة إلى القبائل‬
   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146