Page 239 - merit 40 apr 2022
P. 239

‫‪237‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

                 ‫حوار‬

                                                                                            ‫وأذكر الشاب والفتاة‬
                                                                                         ‫على الكورنيش ونداءات‬
                                                                                       ‫الباعة وغلاستهم‪ ،‬وقطعة‬
                                                                                          ‫الحمص المحشورة بين‬
                                                                                       ‫أسنان الفتاة‪ ..‬كيف تختار‬
                                                                                       ‫شخصياتك وكيف ترسمها‬
                                                                                       ‫على هذا النحو الذي يبقى؟‬

‫الطاهر مكي‬       ‫جمال الغيطاني‬                                  ‫حمدي أبو جليل‬           ‫هذا ثناء كريم أتمنى أن أستحقه‪،‬‬
                                                                                         ‫ويسرني أنه قيل لي شفاهة من‬
                ‫حقيقية‪ ،‬مع أني أستفيد ككل‬            ‫‪-‬مادية أو نفسية‪ -‬باعتبارها‬             ‫كتاب ونقاد مختلفين‪ ،‬وجاء‬
             ‫الكتاب مما مر بي‪ .‬الواقع ممتلئ‬       ‫مسائل وجودية‪ .‬ولعل وراء ذلك‬             ‫في دراسة للكاتب الكبير محمد‬
                                                  ‫اضطراب ما في إدراك المهم وغير‬            ‫جبريل بشأن روايتي «السما‬
               ‫ومشحون‪ ،‬ومحرض‪ ،‬تتحرك‬                ‫المهم‪ .‬أظن الفرق الأساسي بين‬           ‫والعمى‪« :‬وظني أن شخصيات‬
                ‫المخيلة بالانفعالات‪ .‬الانطلاق‬                                               ‫هذه الرواية ستظل في ذاكرة‬
               ‫من المخيلة يس ِّهل التقاط المؤثر‬      ‫كتابة وكتابة هو في التفاصل‪،‬‬            ‫القارئ‪ .‬ثمة ملامح وسمات‬
                ‫والمناسب من تفاصيل الواقع‬           ‫اجتهادي هو في وضعها داخل‬                  ‫محددة تحيا في الذاكرة”‪.‬‬
                 ‫الكثيرة‪ .‬ولعل هذا ما يجعل‬       ‫الإطار الجمالي المناسب بلا نشاز‪،‬‬
               ‫الشخصيات والأحداث جديرة‬                                                 ‫ولعل في إجابة السؤالين السابقين‬
            ‫بالبقاء في الذهن‪ .‬لعلك تلاحظ أني‬           ‫ولا تز ُّيد‪ ،‬أحيا ًنا تتحول من‬    ‫بعض ما قد يلقي بعض الضوء‬
            ‫أحاول الفهم عبر الكتابة كما أفعل‬           ‫وسيلة فقط إلى غاية أي ًضا‪.‬‬        ‫على هذا الأمر‪ .‬ربما يكون السر‬
               ‫الآن‪ .‬أفضل هذا على أن تكون‬          ‫ثم إني رجل بصري‪ ،‬حتى الآن‬               ‫في ذلك ‪-‬إن صح‪ -‬أني أعيش‬
            ‫الكتابة مجرد تعبير عن فهم كامل‬        ‫أحب الجلوس جوار نافذة القطار‬             ‫الكتابة كحياة حقيقية‪ ،‬أعيش‬
              ‫مسبق‪ .‬الكاتب متورط في العالم‬           ‫للنظر خارجه‪ ،‬أستمتع بالنظر‬
              ‫مثل القارئ‪ ،‬وليس كلي القدرة‪،‬‬        ‫للأشياء بصرف النظر عن حظها‬           ‫لأكتب وأكتب لأعيش‪ .‬وأما الحياة‬
                ‫والعلم‪ ،‬ولا هو أستاذ يشرح‬            ‫من الجمال حسب الشائع عن‬           ‫الحقيقة فأعيشها كبروفة‪ ،‬كمنجم‬
             ‫خلاصة تجربته للقراء التلاميذ‪.‬‬           ‫مفهوم الجميل‪ ،‬شخصيًّا أرى‬
            ‫أتمنى أن يقربني ذلك من القارئ‪،‬‬           ‫أن كل مرئي جميل مهما كان‬               ‫مواد أولية‪ ،‬كجسر للوصول‬
            ‫كانت الكتابة بالفصحى عائ ًقا كما‬     ‫حظه من القبح حسب الشائع عن‬                ‫إلى حالة الكتابة التي أستمتع‬
              ‫أوضحت منذ قليل‪ ،‬لكن للكتابة‬          ‫مفهوم القبيح‪ .‬أجتهد في احتواء‬          ‫ج ًّدا بها رغم عذاباتها‪ ،‬أعتبرها‬
            ‫بالمصرية تحدياتها الكثيرة أي ًضا‪.‬‬            ‫دهشتي وفهمها بالكتابة‪.‬‬           ‫مكافأة اليوم‪ ،‬وكل يوم‪ ،‬أعالج‬
                ‫الكاتب الجيد تجربة منقوصة‬        ‫وربما يكون هناك دور لكوني أبدأ‬        ‫بها نفسي‪ ،‬أطبطب عليها‪ ،‬أتعزى‪،‬‬
                                                  ‫دائ ًما من المخيلة‪ ،‬لا أحاكي قصة‬      ‫أفرح‪ ،‬أحزن‪ ،‬أحب وأكره وأنتقم‬
                                                                                            ‫وأصفح‪ ،‬أمارس الوجود من‬

                                                                                                         ‫خلال الكتابة‪.‬‬
                                                                                          ‫وهناك أشياء أخرى‪ ،‬لعل منها‬

                                                                                             ‫ما قيل نقد ًّيا من أني أعتني‬
                                                                                            ‫بالتفاصيل‪ .‬هذا أي ًضا ‪-‬بكل‬
                                                                                         ‫صراحة‪ -‬فاجأني حين سمعت‬
                                                                                          ‫به أول مرة‪ ،‬ربما لأني تعاملت‬

                                                                                               ‫دو ًما مع أبسط التفاصيل‬
   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244