Page 246 - merit 40 apr 2022
P. 246

‫الدينية‪ ..‬هل تعتقد أن‬                                      ‫العـدد ‪40‬‬                           ‫‪244‬‬
    ‫الديكتاتوريات القوية‬
    ‫القامعة التي لا تسمع‬                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬       ‫مسافة وحدود واضحة بين‬
    ‫إلا صوتها‪ ،‬ولا تسمح‬                                                                      ‫الكتابة الفنية التي أساسها قيم‬
   ‫بالمشاركة ولا بالتداول‬                  ‫في إنجلترا‪ .‬بهذا‪ ،‬واستكما ًل‬                   ‫وشروط جمالية‪ ،‬والكتابة الفكرية‬
     ‫والشفافية‪ ..‬إلخ‪ ،‬أقل‬                ‫لما زعمناه ساب ًقا بشأن اللغة‪،‬‬
 ‫خط ًرا بالفعل؟ وهل ترى‬                ‫أرى أنه ربما يكون من علامات‬                               ‫التي أمارسها في الدوريات‬
 ‫أي مستقبل في ظل سيادة‬                                                                     ‫وفيسبوك بمنطق التفكير بصوت‬
                                             ‫الخلاص المصري الاتجاه‬                          ‫مرتفع والمشاركة مع الأصدقاء‪،‬‬
        ‫هذه الديكتاتوية؟‬                 ‫نحو الكتابة بالمصرية الحديثة‬                       ‫وبروح الاستمتاع وتزجية وقت‬
                                      ‫للمساهمة في القطيعة المعرفية مع‬
 ‫أميز بين تناقض رئيسي للمثقف‬         ‫ماضي شبه جزيرة العرب‪ ،‬المحتل‬                                 ‫الفراغ‪ ،‬ومفاكهة الخلان‪.‬‬
  ‫مع الرجعية الدينية المهيمنة على‬    ‫لمصر‪ ،‬المعبود رجعيًّا من دون الله‪،‬‬                       ‫ولعل مما يضيف هنا الإشارة‬
  ‫الحياة في مصر‪ ،‬وتناقض فرعي‬            ‫والمستبد بحياتنا لدرجة إهمال‬                           ‫إلى أني لم أستهدف الجوانب‬
‫له كمواطن مع السلطة السياسية‪،‬‬             ‫اللغة المصرية الحية‪ ،‬وفرض‬                       ‫الدينية الرجعية بذاتها في أي عمل‬
   ‫لدينا سياق تاريخي يستوجب‬            ‫الفصحى الميتة وتقديم كل شيء‬                        ‫إبداعي‪ ،‬عدا العمل الذي أشرت إلى‬
                                                                                          ‫أني أكتبه حاليًا وأنوي عدم نشره‬
     ‫هذا التمييز‪ ،‬لو أن هناك أم ًل‬         ‫لها‪ ،‬بحيث نخدمها نحن ولا‬                       ‫في حياتي أو نشره باسم مستعار‪.‬‬
   ‫في قلة مهمشة تقول لا للطاغية‬                              ‫تخدمنا‪.‬‬                        ‫كانت كتاباتي الإبداعية وستظل‬
                                                                                            ‫عن الحياة باتساعها‪ ،‬ولهذا فهي‬
      ‫الديني‪ ،‬الحاكم العقلي الأعلى‬       ‫تجاهر بأن على المثقف‬                              ‫تنطوي على روح المقاومة ضد ما‬
‫والفعلي المحتل للبلاد والمستبد بها‪،‬‬  ‫المصري في اللحظة الراهنة‬                                ‫ينحط بالإنسان والحياة‪ ،‬وأرى‬
                                                                                          ‫أن الهيمنة الدينية الرجعية عليهما‬
   ‫فالأمل معدوم ما دام المتعلمون‬       ‫أن يتحد مع من نسميهم‬                                ‫هي أشد ما ينحط بهما في مصر‪،‬‬
   ‫المصريون‪ ،‬بمن فيهم المثقفون‪،‬‬            ‫«الدولجية» ‪-‬الذين‬                                ‫وبناء على ذلك أرى أن الاشتباك‬

     ‫غير قادرين على التمييز بين‬        ‫يص ِّدرون خطاب الدفاع‬                                    ‫الإبداعي مع الالتهام الديني‬
   ‫هذا التناقض الرئيسي الموجود‬        ‫عن الدولة ويعتبرون أي‬                                   ‫الرجعي لحياتنا ضروري‪ ،‬بل‬
 ‫قط ًعا‪ ،‬والتناقض الفرعي الموجود‬                                                            ‫مهم ج ًّدا لكن في الإطار المحكوم‬
                                        ‫معارضة لهم تستهدف‬                                 ‫بالشروط الفنية‪ ،‬وأتمنى أن يشكل‬
                                       ‫الدولة نفسها‪ ،-‬ضد من‬                                ‫تيا ًرا كبي ًرا‪ ،‬ولدي مشروع مقال‬
                                       ‫تسميهم «ماضي جزيرة‬                                    ‫في طور التكوين بعنوان رواية‬
                                                                                               ‫التنوير رصدت فيه عد ًدا من‬
                                           ‫العرب»‪ ،‬أو السلفية‬                             ‫الروايات التي صدرت مؤخ ًرا مثل‬
                                                                                          ‫حكايات من جنازة بوتشي لأحمد‬
                                                                                             ‫صبري أبو الفتوح‪ ،‬وولي الدين‬
                                                                                           ‫لمحمد أبو قمر‪ ،‬وقمر لمريم البنا‪..‬‬

                                                                                                                 ‫وغيرهم‪.‬‬
                                                                                              ‫وفي التجربة الأوروبية‪ ،‬كانت‬
                                                                                            ‫في طليعة النهضة الكتابات التي‬
                                                                                          ‫تنقد الكنيسة ورجال الدين والتي‬
                                                                                            ‫باللغات الخاصة بكل شعب كما‬
                                                                                          ‫في الكوميديا الإلهية والديكاميرون‬
                                                                                             ‫في إيطاليا‪ ،‬وحكايات كانتربري‬
   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251