Page 247 - merit 40 apr 2022
P. 247

‫‪245‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

   ‫السياسي عن الحداثة التي لها‬              ‫مبعث هذا التربص‪ ،‬فهناك‬                              ‫احتما ًل‪.‬‬
      ‫تعبير اقتصادي واجتماعي‬           ‫استثمار رجعي له‪ ،‬ولا أقبل أن‬          ‫العقلي والمعرفي هو الجوهري‬
                                       ‫تستثمر الرجعية الدينية مواقف‬           ‫والدائم بينما السياسي عابر‬
   ‫وثقافي‪ .‬والحداثة بكل تمثلاتها‬      ‫المثقفين المعارضة‪ ،‬لم ولن أتملق‬    ‫ومؤقت‪ ،‬السياسي ثانوي والمعرفي‬
 ‫هي العدو الأول للرجعية الدينية‬         ‫السائد الثقافي‪ ،‬لم ولن أخضع‬       ‫أولي‪ ،‬السياسي تعبير عن الحالة‬
                                       ‫للتيار الساخط السائد‪ ،‬ولا أبالي‬      ‫العقلية‪ ،‬والثورة على الاستبداد‬
   ‫بكل تمثلاتها بما فيها الإسلام‬        ‫أن يمارس عليَّ التكفير الثقافي‪،‬‬
                     ‫السياسي‪.‬‬                                                   ‫الرجعي بحياتنا أجدى من‬
                                           ‫كثيرون لا تربطني بهم أي‬           ‫السخط على السلطة السياسية‬
   ‫وربما ينبغي التوقف هنا أمام‬       ‫تقاطعات شخصية‪ ،‬وتأتيني منهم‬
  ‫تعبير الدولجية‪ .‬الدولة القومية‬      ‫إشارات ورسائل امتعاض وربما‬              ‫التي أراها في السياق الحالي‬
                                     ‫كراهية لمجرد أني أقول لا للطاغية‬    ‫تمثي ًل للدولة التي هي أكبر تمثيل‬
     ‫الحديثة أرقى ما توصل إليه‬        ‫الديني المحتل لحياتنا‪ ،‬ولا أسعى‬
   ‫البشر حتى الآن لإدارة الحياة‬                                             ‫للعقل والحداثة في مصر‪ ،‬رغم‬
  ‫في المجموعات البشرية المختلفة‪،‬‬       ‫للرضا والقبول عبر الانقياد في‬        ‫كثرة الأخطاء‪ ،‬وأرى أن أساس‬
   ‫الدولة الحديثة منجز حضاري‬          ‫تيار السخط المجاني‪ ،‬والذي أظن‬       ‫معظم تلك الأخطاء الإحباط الذي‬
   ‫كبير حدث بعد مسيرة معرفية‬          ‫وراء معظمه دوافع دينية رجعية‬           ‫تعرضت له فكرة الدولة بفعل‬
                                       ‫عميقة‪ ،‬كأحد مظاهر الاستلاب‪،‬‬
       ‫مطولة‪ ،‬هناك فكر وفلسفة‬                                                          ‫الاختراق الرجعي‪.‬‬
  ‫وثورات وصراعات كثيرة وراء‬              ‫فيما أسميه نظرية ال ُحشاشة‪.‬‬          ‫نشرت لي مجلة ميريت مقا ًل‬
  ‫التوصل لفكرة الدولة‪ .‬أظن من‬              ‫جماعات الإسلام السياسي‬         ‫طوي ًل عن موقف الأدباء والكتاب‬
                                             ‫نفسها تتشدق بالحريات‬
    ‫الضروري أن نحرص جمي ًعا‬                                                      ‫في مصر ‪-‬كفئة مهمة من‬
     ‫على الدولة المصرية الحديثة‪،‬‬        ‫والديموقراطية‪ ،‬وترتدي عباءة‬         ‫المثقفين‪ -‬من الرجعية الدينية‪.‬‬
 ‫وأن نميز بين السلطة السياسية‪،‬‬          ‫المعارضة السياسية‪ ،‬ولا تدرك‬
     ‫والدولة كفكرة عقلية ومنتج‬       ‫أن وجودها ذاته تعبير عن العداء‬           ‫موقف المثقفين في مصر من‬
   ‫حداثي‪ .‬إشكال الدولة المصرية‬       ‫ليس للديموقراطية فقط بل للحياة‬        ‫السلطة السياسية مركب للغاية‪،‬‬
  ‫أنها مستعارة‪ ،‬نشأت في مهدها‬          ‫والإنسان‪ .‬الديموقراطية وسيلة‬
   ‫الأوروبي نتيجة للحداثة‪ ،‬بينما‬                                             ‫هناك فئة قليلة انتهازية‪ ،‬لكن‬
 ‫منوط بها هنا تكريس الحداثة في‬            ‫لإدارة الخلافات السياسية‪،‬‬           ‫الغالب هو التربص والسخط‬
   ‫واقع مستلب رجعيًّا بشراسة‪،‬‬                ‫الديموقراطية هي التعبير‬        ‫المبدئي المشحون بكراهية أراها‬
 ‫محبط لها عبر اختراقها بالأفراد‬                                              ‫غير مبررة واق ًعا في كثير من‬
 ‫المغيبين المستلبين رجعيًّا‪ .‬والأمر‬                                           ‫الأحيان‪ ،‬وبصرف النظر عن‬
‫لا يخلو من تعقيد‪ ،‬مث ًل آرائي تلك‬
 ‫لا تعني تملق السلطة السياسية‪،‬‬
   ‫ولا السكوت على الأخطاء‪ ،‬ولا‬
    ‫الموافقة على الاستبداد‪ ،‬وقمع‬
     ‫الحريات‪ ،‬وتغييب المعارضة‬

                     ‫السياسية‪.‬‬
      ‫لا معنى خارج سياقه‪ ،‬لكل‬
  ‫مجتمع ظروفه‪ ،‬ولا مطلقات في‬
  ‫الواقع البشري‪ ،‬المطلقات مزاعم‬
   ‫الأيديولوجيات المغلقة بما فيها‬
    ‫الأيديولوجي الديني الرجعي‬
     ‫السائد عندنا التبا ًسا بالدين‬
   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252