Page 252 - merit 40 apr 2022
P. 252

‫أذكرك بأن مدخل هذه المقامات‬                                        ‫العـدد ‪40‬‬                            ‫‪250‬‬
 ‫هو دور البنية الصوتية الخاصة‪،‬‬
                                                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬    ‫هم من يسمعون َف ْص َل الخطاب‪،‬‬
    ‫التي يحققها «المرتل»؛ فالبنية‬                                                                    ‫ويشهدون َغ ْي َب الجواب‪ ،‬وهذا‬
     ‫الصوتية التي ُح ِّد َد ْت َم َعا ِلُها‬   ‫القراءة وتتحدد بها نوعية الق َّراء‬
   ‫بدقة (علم التجويد)‪ُ ،‬ت َش ِّكل في‬             ‫المُ ْن َت َخبِين‪ ،‬وما هكذا المقام‪ ،‬في‬            ‫ُكلُّه نات ُج كما ِل الترتيل المُ َت َد ِّبر في‬
  ‫هذا النظر الوحدة الأولى التي لا‬                                                                 ‫معاني الكلام‪( .‬البرهان‪ :‬ص ‪304‬‬
  ‫تشير إلى النص فقط‪ ،‬بل تكشف‬                  ‫المقام مرونة قادرة على استيعاب‬
     ‫بطاقاتها الدلالية الموضوعية‬               ‫الق ُّراء على اختلافهم؛ المقام ملك‬                                      ‫وما بعدها)‬
     ‫والإيحائية عن جنسه القولي‬                                                                       ‫وفي هذا المقام يتقوض التوازن‬
  ‫الخاص أي ًضا‪ ،‬إ َّنها بداي ُة الولوج‬           ‫لمن ح َّل به‪ ،‬وهو رهن بدرجة‬
      ‫إلى هذا العالم الخاص‪ ،‬عالم‬                   ‫«استجابة» القارئ للمقروء‬                               ‫السابق لصالح «القارئ‪/‬‬
                                                  ‫و»استجابة» المقروء للقارئ‪،‬‬                        ‫الومالرمتخلا» ِ‪.‬طبهنا‪-‬يبسبدوحاالنمهر‪-‬تلم ُمخاْرطِبسًالا‪،‬‬
                      ‫«القرآن»‪.‬‬
  ‫ولا شك أن تركيز علماء القرآن‬                ‫ومن هذا التوافق أو التفاعل ‪-‬أ ًّيا‬                       ‫مرة أخرى بكلامه‪ ،‬وهذا هو‬
                                              ‫كان حظه أو مداه‪ -‬يتحدد المقام‪،‬‬                        ‫مقام الخصوص‪ ،‬الذين يمكنهم‬
      ‫على الوحدات الصوتية دلي ٌل‬             ‫يستوعب كل قراءه على اختلافهم‪،‬‬
      ‫على عنايتهم الباذخة بالقيم‬                                                                       ‫الوصول إلى الأعماق الغائرة‬
      ‫الإيحائية التي ينتجها الأداء‬              ‫دون أن يتجمد أو يتحدد بهم؛‬                           ‫للمعنى‪ ،‬أو لـ»فصل الخطاب»‪.‬‬
‫الدقيق لأصوات النص‪ ،‬ودور هذه‬                 ‫فلا ح َّد لمقام‪ ،‬كما لا ح َّد لقرائه أو‬
‫الأصوات في إنجاز الدلالة وتمييز‬                                                                        ‫فـ»التَّ ْر ِتي ُل» ومقاما ُت الق َّراء‬
  ‫مستويات التلقي‪ ،‬وهذا ما يجب‬                                        ‫لمرتليه‪.‬‬                        ‫المُ َت َحلِّ َقة َح ْو َله َض ْر ٌب من النظر‬
    ‫أن تتنبه له أي نظرية قرائية‪،‬‬                ‫ففي المقام الأول يبدو «المر ِّتل»‬
      ‫خاصة في ظل هيمنة النص‬                    ‫متفه ًما مستوعبًا للنَّص‪ ،‬فالنص‬                         ‫المُ َع َّمق في التلقي‪ ،‬الذي يؤمن‬
 ‫المكتوب على النص المسموع‪ ،‬وما‬                 ‫يسبقه والمر ِّتل يتبعه‪ ،‬وفي المقام‬                     ‫بخصوصية الخطاب‪ ،‬ويدرك‬
  ‫يترتب على ذلك من تراجع دور‬                                                                      ‫أدبيته‪ .‬هنا تنصهر المادة المقروءة‬
‫القيم الإيحائية للأصوات‪ ،‬التي لا‬                    ‫الثاني تتوازن العلاقة بين‬
‫تستطيع علاما ُت الترقيم أن تنوب‬                 ‫المقروء والقارئ؛ فالنص يولد‬                              ‫بالروح القارئة‪ ،‬فيغدو ك ُّل‬
   ‫عنها‪ ،‬أو تجبر انكسارها‪ ،‬مهما‬                 ‫بميلاد مرتله‪ ،‬وتتجلى رسالته‬                            ‫« َت ْرتيل» ضر ًبا من ال ِّس َبا َحة‬
                                                                                                   ‫ال ُّروحية التي َت َت َك َّش ُف بها َط َبقا ُت‬
                    ‫بلغت دقتها‬                     ‫به‪ ،‬وفي المقام الثالث يندمج‬                      ‫ال َّدلالة وتتح َّر ُر بها ُروح القارئ‬
                                               ‫المرتل بالخطاب دونما استلاب‪،‬‬                            ‫في الآن ذاته؛ فالقارئ ينتقل‬
                                                                                                      ‫في مقامات وليس في خطوات‪،‬‬
                                                  ‫فكأ َّنه ‪-‬لما بينهما من أواصر‬                       ‫وهذا فارق مهم‪ ،‬بين الروحية‬
                                                    ‫ُم َو ِّح َد ٍة‪ -‬مر ِس ٌل لما يتلقاه‪،‬‬              ‫المنسابة والآلية التي تخضع‬
                                                                                                  ‫لشرائط تقنية صارمة‪ ،‬تتحدد بها‬
                                              ‫وهكذا تبدو العلاقة بين المقامات‬
                                                  ‫الثلاثة متصاعدة من التفهم‬

                                                 ‫أو ًل والتوزان ثانيًا والامتلاك‬
                                                             ‫والإرسال ثالثًا‪.‬‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257