Page 251 - merit 40 apr 2022
P. 251
249 ثقافات وفنون
فنون
وانعكاسه عليه؛ إ َّنه ُي َه ِّدد و ُيع ِّظم، جلال الدين السيوطي
يفرح ويحزن ،يسأل ويطلب،
يتر َّحم ويستغفر ويلبي.. كان تعظي ًما لفظ به على التعظيم.. والذاتي هو ما يسم هذا النظر
وقلبه في كل الأحوال منشغ ٌل بما
ولا يتوقف الإمام الزركشي هنا، بميسم خاص ،ينطلق من الجمع
وإنما ينظر في «كمال الترتيل» يقرأ متفك ٌر فيما يتلو؛ فإذا َم َّر
َن ْفسه ،ويقسمه ثلاثة مقامات بآية رحمة وقف عندها وفرح بين علمية الموضوع وذاتية
بما وعده الله تعالى منها ،وسأل
تتحدد تب ًعا لدرجة تفاعل القارئ الله برحمته الجنة ،وإ ْن َق َرأ آي َة القارئ ،أو أ َّنه ينطلق من الموازنة
مع النص ،وعلى قدر تفاعله يتحدد عذا ٍب وق َف عندها ،فإن كانت بينهما.
مقامه ،وهي مقامات متصاعدة في في الكافرين اعترف بالإيمان،
ثم استعاذ بالله من النار .وهكذا فك ُّل قارئ يصيب من الترتيل
الكمال من الأقل إلى الأعلى: إذا َم َّر بندا ٍء أو أ ْم ٍر أو نهي ،فإذا
المقام الأول :ويخص «المرتل» وجد في قلبه مي ًل إلى الرجاء فزعه سه ًما ما ،والترتيل على ضربين:
بالخوف( .الزركشي :البرهان ص الأول :أق ُّل الترتيل :وفي هذا
الذي يشهد أوصاف المتكلم
سبحانه في كلامه ،ويدرك معاني 303وما بعدها) الضرب يقوم المرتل /القارئ
خطابه« ،فإن ُك َّل كلمة ُتنبئ عن ففي هذا الضرب نحن أبعد ما
معنى اس ٍم أو وص ٍف أو حكم أو نكون عن الأداء المحايد؛ نحن بتفخيم ألفاظ النص ،والإبانة
إزاء ما يمكن وصفه بـ»التعالق
إرادة أو فعل؛ لأن الكلام ينبئ ال ُّروحي» بين القارئ والمقروء، عن حروفه ،والإفصاح لجميعه
عن معاني الأوصاف ،ويدل على بالتَّدبر حتى يصل ِب ُك ٍّل ما بعده،
فالعلاقة هنا لا تقوم على وأن يسكت بين ال َن َفس والنفس،
الموصوف». ثنائية القارئ المقروء ،ولكنها حتى يرجع إليه َن َف ُسه ،وألا ُيدغم
وفي هذا المقام الكمالي يشهد علاقة توشك أن تكون أحادية؛ حر ًفا في حرف .وفي هذا الضرب
«المرتل» أوصاف المخا ِطب (بكسر فـ»المرتل» يقوم بتجسيد المعنى، تبدو ال َعلاقة بين النَّص والمُ َر ِّتل
الطاء) ،ويحيط عل ًما بمعاني وهو لا يقوم بذلك تمثي ًل أو أدا ًء محايدة؛ إ َّنه يؤدي َو ْف ًقا لقواعد
فار ًغا ،ولكنه يجسد معنًى منبث ًقا
كلامه. من داخله ،من شعوره بما يقرأ اللغة وشروط الصحة.
المقام الثاني :ويخص «المرتل»
الذي يشهد بقلبه كأنه تعالى الثاني« :كمال الترتيل» أو أعلاه،
يخاطبه هو بألطافه وأنعامه.
فمقام هذا «المرتل» هو «الحياء وهذا الضرب يمثل ذروة التَّفاعل
بين المرتل والنص ،فعلى من يروم
والتعظيم ،وحاله الإصغاء
والفهم» .وفيه تتبدى الخصوصية الوصول إلى هذه الدرجة أن
الفردية أو ذاتية الترتيل، ُي َج ِّسد المعنى ،فإذا كان المقروء
التي تقابل عمومية الخطاب، تهدي ًدا لف َظ به لفظ المتهدد ،وإن
فـ»المرسل» يختص «التلقي»
برسالته أو بخطابه ،وهنا تتوازن
العلاقة بين القارئ /المرتل
والمقروء ،فكأ َّنهما نجيّان حبيبان.
المقام الثالث :وهو مقام َم ْن يرى
أنه يناجي ر َّبه سبحانه ،وهذا
المقام لخصوص أصحاب اليمين
الذين يصغون إلى ِس ِّر كلامه،
ويشهدون بقلوبهم ِس َّر صفاته،