Page 55 - merit 40 apr 2022
P. 55

‫‪53‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫القوام اللغوي‪ ،‬لم نستطع أن نعرف كيف جاوز‬               ‫التي يجب ألا نأخذ بصحتها‪ ،‬بل نعيد القراءة ونعيد‬
                           ‫العمل شعور صاحبه‪.‬‬                 ‫التحليل بأنفسنا‪ ،‬ولا نقبل ما قاله السابقون على‬
                                                            ‫علاته‪ ،‬بل نشك ونهدم من أجل إعادة البناء‪ ،‬وقد‬
    ‫ويعالج سبب انصراف الناس عن قراءة الشعر‬
 ‫بسبب إعلاء سلطة خارج النص على حساب سلطة‬                   ‫فعل ذلك في قراءاته للشعر القديم‪ ،‬وانتهت القراءة‬
‫النص نفسه‪ ،‬من مثل سلطة سلوك صاحبه و‪ ..‬و‪..‬‬                    ‫به إلى «الشك في قضايا كثيرة‪ ،‬وقد صور العقل‬
                                                              ‫العربي في العصر الجاهلي تصوي ًرا من ِّف ًرا‪ ،‬فقيل‬
   ‫ويري أن كل ذلك معوق لدراسة الأدب العربي‪،‬‬                  ‫إنه عق ٌل ماد ٌّي قا ٍس رتيب لا يتجاوز المحسوس‪،‬‬
    ‫ويري أن علاج ذلك يتمثل في وجوب النظر إلى‬                   ‫ولا يعلو على العلاقات القريبة ولا يستطيع أن‬
      ‫النص الأدبي بصفته بنية لغوية ينصهر فيها‬
                                                           ‫يحيط بالأشياء من حيث هي‪ ،‬كل همه محصور في‬
       ‫الموضوع المعبر عنه بوسيلة التعبير‪ ،‬بحيث‬              ‫أن يتعلق بجزء من الأجزاء ينكب عليه دون ملل‪،‬‬
  ‫يصبحان شيئًا واح ًدا‪ ،‬وهذا يعني دوام النظر في‬
    ‫النص الأدبي حتى تصبح القصيدة بعد القراءة‬              ‫ثقافته محدودة وتطلعه الفلسفي سطحي يسير»(‪.)7‬‬
 ‫الأولي أجود منها بعد القراءة الثانية أو الثالثة أو‪..‬‬     ‫يؤمن بأن الأدب له وجوده المستقل المعزول عن كل‬
 ‫أو‪ ..‬وهذا يدل على تمتع القارئ بالموضوع المقروء‬
                                                             ‫الأشياء الخارجية‪ ،‬وبالتالي ينبغي ألا يحكم عليه‬
                      ‫فيكتب عنه بطريقة أفضل‪.‬‬                  ‫بأي مقياس خارجي‪ ،‬بل بمقاييس فنية صرفة‪.‬‬
  ‫ويري أن دراسة الأدب الجاهلي عمل ممتع؛ «لأن‬                   ‫بمعني أن الأدب يحقق قيم استاطيقية مجردة‬
 ‫الأدب الجاهلي أكثر الآداب تأثي ًرا في مجري الأدب‬            ‫معزولة عز ًل تا ًّما عن جميع القيم الأخرى‪ ،‬وإذا‬
 ‫العربي»(‪ .)8‬ويري أن الأدب العربي ذو صفة ثابتة‬              ‫ما أردنا أن ندرك هذه القيم فحصنا العمل الأدبي‬
‫وأصالة عريقة‪ ،‬وهذه الأصالة والثبات من المقومات‬            ‫بمعزل عن كل شيء آخر‪ ،‬من مثل تأثيره في قارئه‬
                                                           ‫وصاحبه الذي نشا بين جنبيه‪ ،‬ويجب عزله كذلك‬
    ‫المهمة التي يلحظها الباحثون‪ ،‬وقد جاءه الثبات‬           ‫عن الظروف الاجتماعية ومدلول الصدق الواقعي‪.‬‬
  ‫والأصالة من الأدب الجاهلي الذي نشأ منه الأدب‬                 ‫أي أنه يفصل بين قيمة النص في ذاته‪ ،‬وقيمته‬
  ‫العربي‪ ،‬ونمت الشجرة وترعرعت‪ ،‬ولكن فروعها‬                   ‫بالنسبة لشيء ما‪ .‬وبذلك يتم الفصل بين موقع‬
                                                              ‫الشعر من عواطفنا ووجداننا‪ ،‬وتقديرنا للشعر‬
                  ‫ثابتة في تربة الأدب الجاهلي(‪.)9‬‬            ‫نفسه‪ ،‬بمعني أن جودة العمل الأدبي ليست فيما‬
‫وهو يري أن الأدب العربي ينبع من الأدب الجاهلي‬              ‫يحققه من الرضا العاطفي الذي ينتاب الناقد أثناء‬
 ‫ويصب أحيا ًنا فيه(‪ ،)10‬ولذا يدرك خطورة الدراسة‬
                                                                                                  ‫القراءة‪.‬‬
  ‫الأدبية للعصر الجاهلي لأننا «ندرس منابع الأدب‬                  ‫وعزل الشعر عن الأديب صاحبه‪ ،‬لأنه ليس‬
‫العربي ومقوماته‪ ،‬وفكر الشاعر العربي وثقافته في‬               ‫مرآة تعكس أحاسيس صاحبه‪ ،‬لذلك لا يهمنا أن‬
 ‫أي عصر من العصور‪ ،‬لا يمكن أن يتضح اتضا ًحا‬                   ‫نصف الشاعر (بالطبع) أو (التكلف)‪ ،‬أو نصفه‬
‫معقو ًل إلا إذا رجعنا إلى ثقافة الشاعر الجاهلي»(‪.)11‬‬           ‫بقوة الشعور‪ ،‬أو ضعفه‪ ،‬لأننا لا نعرف ما في‬
‫ويرى أن أثر الشعر الجاهلي أثر سحري وجاذبيته‬                 ‫نفوس الناس‪ ،‬حيث إن معرفتنا بحياة المعاصرين‬
‫كبيرة‪ ،‬حيث ظل الشعراء «يصطنعون لغة الأطلال‪،‬‬                  ‫والسابقين لنا مباشرة تعد قليلة فما بالنا بحياة‬
                                                              ‫القدماء؟ حتى إن النص يجب أن يعزل لديه عن‬
       ‫ويبكون الديار‪ ،‬ويذكرون منازل الأحبة بعد‬                  ‫سياقه الاجتماعي‪ ،‬إنه يريد أن يزيل الأستار‬
    ‫انقضاء العصر الجاهلي‪ ،‬وظل الشعراء ينتقلون‬              ‫والحجب الصفيقة التي تحجب النص‪ ،‬فإذا ما خلا‬
   ‫من موضوع إلى موضوع في القصيدة على نحو‬                    ‫إليه وجده نشا ًطا لغو ًّيا وهي عبارة تعني –لديه‪-‬‬
                                                             ‫أن العمل الأدبي خلاق لمعناه‪ ،‬إنه ليس علامة أو‬
      ‫قريب أو بعيد من الأدب الجاهلي‪ ،‬ولكنه ليس‬                 ‫صورة محسنة ولكنه يذيب العناصر ويعطيها‬
  ‫مختل ًفا عنه اختلا ًفا أصليًّا بأية حال‪ .‬وظلَّت المادة‬     ‫شك ًل أو قوا ًما جدي ًدا‪ ،‬فإذا أغفلنا هذا الشكل أو‬

     ‫التي يصنع منها الشعراء خيالهم متشابهة أو‬
  ‫كالمتشابهة‪ ،‬فالشمس والنجوم والجبال والوديان‬

   ‫وأنماط الشجر والنبات وال ِّظباء والأبقار والثور‬
  ‫والخيام والنؤي والأثافي والناقة والفرس والبحر‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60