Page 57 - merit 40 apr 2022
P. 57

‫‪55‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                   ‫مداك عروس أو صلاية حنظل‬              ‫والحوار تكسر صمت النصوص حتى تنطق‬
                       ‫كأن دماء الهاديات بنحره‬     ‫وتبوح «تستطيع أن تكتب كثي ًرا في المؤثرات التي‬
                      ‫عصارة حناء بشيب مرحل‬          ‫دفعت إلى كتابة رسالة الغفران‪ ،‬وتبقي بعد ذلك‬
                       ‫فعن لنا سرب كأن نعاجه‬
                       ‫عذاري دوار في ملاء مذيل‬         ‫رسالة الغفران صامتة لا تتحدث»(‪ ،)18‬وكسر‬
                                                   ‫صمت النصوص يكون عن طريق إنصات أفضل‬
  ‫يقول‪« :‬والناس يتناقلون هذا الوصف‪ ،‬ويعجبون‬        ‫للكلمات وأن يسلم عقله للنص بعد النص يناوشه‬
‫به جي ًل بعد جيل‪ .‬وهناك ملاحظة واضحة وهي أن‬
‫امرأ القيس علم الشعراء كيف يتحدثون عن الخيل‪،‬‬                                          ‫ويستثيره‪.‬‬
 ‫أعني أن مكانة امرئ القيس ليست مرهونة بجودة‬           ‫ويري أن موضوعات الأدب الجاهلي برغم أنها‬
                                                  ‫كثيرة «ولكنها قابلة للترابط‪ ،‬ولا يمكن أن يستقيم‬
   ‫تفكيره‪ ،‬وإنما استطاع أن يغزو عقل الشعراء في‬       ‫الفهم إذا لم يشق القارئ على نفسه بالبحث عن‬
    ‫كل ما قال سواء في موضوع الخيل أم في غيره‬      ‫التماسك والترابط الممكن بين معارض التفكير التي‬
 ‫من الموضوعات‪ ،‬والذي يريد أن يقدر صنيع امرئ‬          ‫يتناولها الشاعر‪ .‬ومغزي التفكير لا ينفصل عن‬
 ‫القيس عليه أن يتتبع صنيع الشعراء في الخيل من‬       ‫ارتباط أجزائه‪ ،‬وهذه هي المسألة الأساسية التي‬
 ‫بعده وسوف يري أنهم لم يستطيعوا الانفكاك من‬         ‫تواجه الباحث في الأدب الجاهلي‪ ،‬وبعبارة أخرى‬
 ‫أسر امرئ القيس‪ ،‬فقد فتح لهم أبواب المعاني التي‬    ‫إن مغزى الأدب الجاهلي وارتباط أجزائه سواء في‬
   ‫يدخلون منها‪ ،‬فرس امرئ القيس نافذ –إذن‪ -‬في‬
‫الشعر الجاهلي وغير الجاهلي‪ ،‬وكل فكرة من أفكاره‬                                        ‫المعني»(‪.)19‬‬
‫سرعان ما أصبحت شركة بين امرئ القيس وغيره‬                ‫ثم يقرأ وصف الخيل في معلقة امرئ القيس‬
    ‫من الشعراء‪ ،‬فكل الشعراء أعجبوا بالمقارنة بين‬
‫الفرس والسيل‪ ،‬وكل الشعراء جعلوا الخيل سابحة‬                                             ‫قوله(‪:)20‬‬
                                                                    ‫وقد اغتدى والطير في وكناتها‬
      ‫تصب الجري صبًّا وتسبح فيه سباحة‪ .‬وكل‬
  ‫الشعراء أعجبوا بالصورة الأخيرة لامرئ القيس‬                             ‫بمنجرد قيد الأوابد هيكل‬
  ‫فجعلوا الفرس الذي أصابه الدم مشو ًبا بالحناء‪..‬‬                          ‫مكر مفر مقبل مدبر معا‬
‫والشعراء جمي ًعا حرصوا على أن يكون ظهر الفرس‬                    ‫كجلمود صخر حطه السيل من عل‬
   ‫أملس مثل مداك العروس‪ ،‬كذلك حرصوا على أن‬                           ‫كميت يزل اللبد عن حال متنه‬
   ‫يجعلوا فرسهم مهيب الطلعة والجسم كما صنع‬                              ‫كما زلت الصفواء بالمتنزل‬
‫امرؤ القيس‪ ،‬ومن ثم كان فرس‬                                           ‫على الذبل جياش كان اهتزامه‬
   ‫امرئ القيس هو المثال الذي‬                                              ‫إذا جاش فيه غلي مرجل‬
 ‫نظر إليه كل المبدعين‪ ،‬وأرادوا‬                                         ‫مسح إذا ما السابحات على‬
    ‫أن يخلدوه‪ ،‬فلم يظفر فرس‬
   ‫بالبقاء كما ظفر فرس امرئ‬                                                                ‫الوني‬
   ‫القيس‪ ،‬ومع ذلك فإن هؤلاء‬                                             ‫أثرن الغبار بالكديد المركل‬
  ‫المعجبين من الرواة والنقاد لم‬                                     ‫يزل الغلام الخف عن صهواته‬
   ‫يستطيعوا الإفصاح عن سر‬                                             ‫ويلوي بأثواب العنيف المثقل‬
  ‫إعجابهم بفرس امرئ القيس‪،‬‬                                             ‫درير كخذروف الوليد أمره‬
  ‫وإنما استوقفونا فحسب عند‬                                               ‫تتابع كفيه بخيط موصل‬
‫قولهم إن امرأ القيس كان يجيد‬                                           ‫له أيطلا ظبي وساقا نعامة‬
   ‫التشبيه‪ ..‬فرس امرئ القيس‬                                         ‫وإرخاء سرحان وتقريب تتفل‬
  ‫يعتمد اعتما ًدا غريبًا على فكرة‬                                   ‫ضليع إذا استدبرته سد فرجه‬
                                                                        ‫بضاف فويق الأرض ليس‬

                                                                                          ‫بأعزل‬
                                                                     ‫كأن على المتنين منه إذا انتحى‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62