Page 56 - merit 40 apr 2022
P. 56

‫العـدد ‪40‬‬   ‫‪54‬‬

                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

    ‫العرب بغيرهم من الأعاجم إلى طور أرقى‪ .‬لنقل‬         ‫والسفن كل أولئك ‪-‬وغيره كثير‪ -‬ظ ّل مادة تفكير‬
  ‫إن الشعر الجاهلي ينافس أي شعر آخر إذا أحسنَّا‬          ‫أدباء العربية عصو ًرا طوا ًل‪ .‬وقد أرسي شعراء‬
‫قراءته‪ ،‬ولو أحسنَّا قراءته لبدا أمامنا وافر الحظ من‬
                                                      ‫العصر الجاهلي دعائم هذه المادة الفكرية والخيالية‪.‬‬
                              ‫العمق والثراء»(‪.)13‬‬      ‫وكذلك اللغة‪ ،‬نشأت ونمت وأدركت ح ًّظا غير قليل‬
    ‫ومن أجل ذلك «حظي الأدب الجاهلي بأكثر مما‬           ‫من النضج‪ ،‬فأسلمت إلى الأدباء في الإسلام ميرا ًثا‬
  ‫حظي به عند الباحثين المحدثين‪ ،‬ونظروا إليه على‬
   ‫أنه نبع صالح لا ينضب للإلهام‪ ،‬يتمثل ولا يقلد‬          ‫واس ًعا من الدلالات ظل معينًا لا ينضب للتفكير‪.‬‬
‫ويصان ولا يبدد‪ ،‬وينظر المتأخر إلى حياته وعصره‬           ‫وظلت أوزان الشعر العربي هي الأوزان الجاهلية‬
 ‫دون أن يزول عنه سحره وقوته‪ ،‬ومن ثم كان هذا‬            ‫إلا قلي ًل‪ .‬وظل بناء القصيدة من الناحية الموسيقية‬
    ‫الأدب عندهم أسطورة تحيا وتتشكل بكل شكل‬             ‫كما كان‪ .‬تغيرت صورته في بعض الأحيان‪ ،‬ولكن‬
                                                        ‫هذا التغير لم يطمس الأثر السحري الجاهلي‪ ،‬ولم‬
          ‫وتستعصي على النفاد والاضمحلال»(‪.)14‬‬          ‫يطمس جاذبية القافية الموحدة والوزن الموحد»(‪.)12‬‬
  ‫لذا لا غرو أن يقدم للشعر الجاهلي قراءات وليس‬
  ‫قراءة واحدة وهذا إن كان شا ًّقا لكنه لا يخلو من‬         ‫لذا يري أن الشعر الجاهلي ثمرة ناضجة‪ ،‬وهو‬
   ‫المتعة يقول «إن الإقبال على طائفة من النصوص‬        ‫ينافس أي شعر آخر بشرط حسن قراءته «علينا أن‬
 ‫أكثر من مرة مشقة لا تخلو من المتعة‪ .‬فالنصوص‬
                                                        ‫نبدأ فنبذر بذور الشك لنحاول –م ًعا‪ -‬إثبات خطأ‬
      ‫تتحدانا‪ ،‬وتظل تعلق بعقولنا‪ ،‬وكل طائفة من‬         ‫النظرية المتداولة التي تزعم أن الشعر الجاهلي كان‬
    ‫الأدوات تفتح معالم لا تستطيعها سواها‪ .‬ولكن‬
‫الأدوات لا تنبع من الخارج‪ ،‬وإنما تكشف من داخل‬             ‫ساذ ًجا بدو ًّيا لا غور له‪ ،‬ثم انتقل حينما اختلط‬

         ‫النصوص‪ .‬فالنصوص خالقة أدواتها»(‪.)15‬‬
      ‫وقراءته تقوم على التأويل والحوار «والتأويل‬
 ‫قراءة ودود للنص وتأمل طويل في أعطافه وثرائه‪،‬‬
   ‫وما يعطيه لقارئ مهموم بثقافة الجيل من بعض‬
     ‫النواحي‪ ،‬التأويل مبناه الثقة بالنص‪ ،‬والإيمان‬
       ‫بقدراته‪ ،‬والاشتغال بكيانه الذاتي‪ ،‬والغوص‬
 ‫المستمر على تداخلات بنيته‪ ،‬والتأويل حوار خلاق‬
 ‫بين النص والقارئ‪ ،‬حوار يضفي على النص معني‬
‫يشارك فيه طرفان‪ ..‬التأويل رؤية للنص من باطنه‪،‬‬
  ‫وهو بذلك يتميز من التناول الخارجي الذي يهتم‬
    ‫بالعلاقة بين النص والبيئة أو النص والمؤثرات‪.‬‬
 ‫إذا اهتم الباحث بالمؤثرات ضاع النص‪ .‬وقد شغلنا‬
    ‫كثي ًرا بهذه المؤثرات وبقي أمامنا المجال فسي ًحا‬

          ‫لسؤال النص عما يعينه بمعزل عنها»(‪.)16‬‬
    ‫«ومعزي هذا كله أن القراءة بطبيعتها محاورة‪.‬‬
    ‫النص يحاور غيره من النصوص من قبل ومن‬
  ‫بعد‪ .‬التأويل –إذن‪ -‬لا يعبد فردية النص الضيقة‪،‬‬

         ‫التأويل ‪-‬على العكس‪ -‬يبحث عن تفاعلات‬
 ‫النصوص وجوانبها المحذوفة‪ .‬النص خطاب يحرك‬

      ‫سائر النصوص ويغريها بأن تتقدم إليه»(‪.)17‬‬
        ‫وقراءة د‪.‬ناصف للأدب عن طريق التأويل‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61