Page 59 - merit 40 apr 2022
P. 59
57 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
د.خالد محمد عبدالغني
مصطفى ناصف..
بين النقد وسيكولوجية اللغة
هناك عدة وظائف للغة تتوزع في مجالات وأبواب مختلفة ،فهي تساهم
بشكل نشيط في عمل َّيات التفاهم والإبلاغ وال َّتوا ُصل بين البشر ،ولها دور
أساسي في صناعة الحضارة الإنسانية وإطلاق عجلات التقدم والارتقاء
بها إلى حالات أفضل ،ولا يمكن لبني البشر أن يتفاعلوا ويمارسوا حياتهم
الاعتيادية إلا باستخدام اللغة ،فحاجة البشر إلى اللغة كحاجتهم إلى
ضروريات الحياة الأخرى .واللغة كالكائن الح ِّي ،فهي تنمو وتترعرع،
تشب وتشيخ وتموت إذا لم تتوفر لها عوامل الديمومة والاستمرار.
بألفاظ دينية وروحية .وقد حارب النقاد القدماء متبتل وهب نفسه للغة العربية والنقد الأدبي تنظي ًرا
الشعراء المحدثين الذين يريدون أن يتمردوا عن
بنية القصيدة الجاهلية التي صارت معيا ًرا للاحتذاء وتطبي ًقا ومن ثم فلا غرابة في أن يصبح مصطفى
والتقليد بعمودها الأصيل الذي يثبت مجموعة من ناصف من أهم النقاد العرب الذين اشتغلوا على
القواعد الدلالية والفنية التي لا ينبغي الخروج عنها. التراث العربي القديم والحديث من زوايا منهجية
ويشكل هذا العمود الشعري الأساس الحقيقي لكل مختلفة تتراوح بين الدراسة البلاغية والأسلوبية
شعرية عربية على غرار القران الكريم والسنة النبوية
اللذين يمثلان مصدرين أساسيين للتشريع والعمل. والتفكيكية والتأويلية والأسطورية .ولقد كان الشعر
واعتبر الشعر الجاهلي مصد ًرا ومنب ًعا للشعر العربي العربي القديم هد ًفا لكثير من دراساته النقدية
قاطبة ،ودر ًعا واقيًا صام ًدا في وجه التيارات الثقافية
والحضارية القادمة إلى ساحة الفكر العربي وإبداعه المتنوعة وقد انكب فيها على الشعر الجاهلي بالفحص
ضمن حركية المثاقفة وجدلية الاحتكاك الثقافي والحوار والتحليل والتقويم من خلال رؤية جديدة وهي
الحضاري بين الشعوب .فكتابه قراءة ثانية لشعرنا
القديم ،اللغة بين البلاغة والأسلوبية( )2الذي يقع ضمن الرؤية الأنثروبولوجية أو المنهج الأسطوري كما في
الدراسات النقدية الأدبية النصية التطبيقية التي تحاول كتابه صوت الشاعر القديم( ،)1إذ يرى ناصف أن
قراءة الشعر الجاهلي من خلال التصور الأسطوري الأدب العربي القديم -يقصد به الأدب الجاهلي-
الأنثروبولوجي مستن ًدا إلى اللاشعور الجمعي لدى
كارل جوستاف يونج الذي يبحث عن الثوابت العقلية يتميز بصفائه ونقائه لكونه بقي بعي ًدا عن المؤثرات
اللاشعورية للمجتمعات وخاصة غير المتحضرة ورصد الفارسية واليونانية والهندية .ووصلنا هذا الأدب
ناض ًجا ومكتم ًل وثابتًا بأصوله الفنية التي صارت
فيما بعد قواعد للكتابة الشعرية والإبداعية بعدما أن
نزل القران الكريم بلغة هذا الأدب الرائع في شعريته
وكتابته النثرية .وقد عمل القرآن على تهذيب لغة
الشعر الجاهلي وتنقيتها وصقل بيانها وتطعيمها