Page 11 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬                                                                               ‫المُعنِّف‪.‬‬
                         ‫رؤى نقدية‬                       ‫انتقادات أو تعنيفات طه حسين كثيرة ‪-‬وأي ًضا‬
                                                      ‫قديمة‪ -‬وشملت الكثير من الرموز الأدبيّة وأي ًضا‬
   ‫نحو ما ذهب الدكتور عبد الحي دياب في كتابه‬
‫«الإقطاع الفكري وآثاره» (دار الشعب‪ ،)1969 ،‬إ ْذ‬            ‫السياسيّة‪ ،‬وكذلك البعض من أصدقائه‪ ،‬وقد‬
‫أرجع السبب الأساسي لنشأة الإقطاع الفكري في‬              ‫تجلّت ذروة هذه ال ُّسلطة الأبوية بقسوتها‪ ،‬أثناء‬
 ‫الجامعة إلى الدكتور طه حسين من خلال علاقته‬              ‫لقائه الشهير مع الأدباء ال ُّشبان‪ ،‬مع الإعلامية‬
‫المتوترة بزملائه في الجامعة‪ ،‬وقد انتهت ببعضهم‬            ‫ليلى رستم؛ حيث طلب محمود أمين العالم رأي‬
                                                      ‫العميد في التجارب الأدبيّة الجديدة‪ ،‬فتساءل هكذا‪:‬‬
        ‫إلى الاستقالة (أحمد ضيف‪ ،‬على العناني)‪،‬‬        ‫«إيه رأي دكتورنا في أدب الجيل الجديد؟ الدكتور‬
‫وبالبعض الآخر إلى الهجرة والاغتراب عن الوطن‬            ‫طه حسين دائ ًما بي َعنِّف‪ ،‬في الحقيقة بأدباء الجيل‬
                                                        ‫الجديد ونحن نرى في ُعنف الدكتور طه حسين‬
                        ‫(نجيب محمد البهبيتي)‪.‬‬           ‫بهم نو ًعا من ا ُ ُلب ّوة الكبيرة والأستاذية الكبيرة‪،‬‬
      ‫فيصف الدكتور طه حسين ودوره في نشأة‬                ‫بل يمكن عنف الأستاذ طه حسين بهم هو عنف‬
       ‫الإقطاع (أو الإقصاء إن شئت) في الجامعة‬            ‫الدكتور طه حسين بنفسه‪ .‬حقيقة‪ ،‬نحن نتر ّبى‬
‫بالتالي‪« :‬نستطيع أن نقول إن للدكتور طه حسين‬           ‫بهذا العنف ونتعلّم منه‪ .‬ولكن ما رأي الدكتور طه‬
  ‫الفضل كل الفضل في وجود الإقطاع الفكري في‬             ‫حسين فيما أضافه هذا الجيل الجديد للأدب؟ هل‬
 ‫الجامعة‪ ،‬فهو منشئه ومبديه‪ ،‬وحارسه وراعيه»‪.‬‬              ‫أضاف إضافة جدية لتراثنا العربي أم لم يق ّدم‬
                                                      ‫شيئًا؟ (‪ )..‬يش ّرف الجيل كله لو الدكتور طه حكم‬
                      ‫(الإقطاع الفكري‪ :‬ص‪)97‬‬
  ‫ومن ش ّدة حملته عليه‪ ،‬ينتهي الدكتور دياب إلى‬                        ‫علينا‪ ،‬وطب ًعا‪ ،‬هو حك ٌم ُم ْن ِص ٌف»‪.‬‬
   ‫القول بأ ّن «أ ًّيا كان الأمر‪ ،‬فإن الدكتور طه كان‬   ‫بالطبع أفاض الدكتور في تعنيفه‪ ،‬للأدباء ال ّشباب‬
                                                      ‫جمي ًعا باستثناء محمود أمين العالم‪ ،‬الذي أخرجه‬
     ‫ُيحارب الأقوياء في غير ميدان للحرب‪ ،‬ولكن‬
     ‫بأساليب لا يعترف بها الأقوياء في حروبهم‪،‬‬              ‫من دائرة اتهامه‪ ،‬فوصف الجيل بال ّسطحيّة‪،‬‬
                                                          ‫وعدم القراءة‪ ،‬وطالبهم بأن «يقرأوا بمقدار ما‬
        ‫لئلا يظهر هؤلاء الأقوياء الأصلاء بجانبه‬            ‫يكتبون‪ ،‬وأن يقرأوا قبل أن يكتبوا»‪ ،‬كما أخذ‬
‫فيخفتوا صوته ويضيع في الزحام‪ ،‬ومن هنا نراه‬             ‫عليهم «عدم إطلاعهم على التراث‪ ،‬والقراءة بلغات‬
 ‫‪-‬والكلام للدكتور عبد الحي دياب‪ -‬يحتضن من‬             ‫مختلفة» وهو ما ردده كثي ًرا في لقاءاته الصحفية‪،‬‬
                                                        ‫عندما كان ُيطلب رأيه ونصائحه للجيل الجديد‪.‬‬
   ‫تلاميذه وزملائه الضعفاء الذين لا يستطيعون‬
   ‫مناوأته ولا َيقدرون على ذلك‪ ،‬لأن قيمتهم َرهن‬                  ‫الإقطاع الفكري‬
   ‫برضائه عليهم‪ ،‬ووسط هؤلاء يظهر طه حسين‬
   ‫بينهم كالكوكب بين النجوم المحكوم عليها بأ ّل‬       ‫ما يهمنا من هذا الحوار الكاشف لوجه من وجوه‬
                                                           ‫طه حسين (المتع ّددة)‪ ،‬ألا وهو الناقد المعنِّف‪،‬‬
      ‫تخرج عن حقيقتها إلى الكواكب‪ ،‬وإنما ظلت‬               ‫أن طه حسين بوصفه ناق ًدا أو مقيِّ ًما‪ /‬حك ًما‬
 ‫وستظل إلى الأبد نجو ًما لا كواكب ولا سبيل لها‬
                                                      ‫صاحب ُسلطة‪ ،‬مارس سطوته على الأدباء وعنَّفهم‬
             ‫إلى ذلك»‪( .‬الإقطاع الفكري‪ ،‬ص‪)99‬‬            ‫بقسوة‪ .‬قد يب ّرر البعض أن تعنيف العميد يدخل‬
                                                           ‫في باب تعنيف الأب أو الأستاذ للأبناء‪ ،‬حتى‬
            ‫دوافع الع ّنف‬                                ‫وإن بدا هكذا‪ ،‬فهو في الحقيقة ق َّدم لنا نموذ ًجا‬
                                                       ‫لسلطة الناقد الأبو ّية‪ ،‬وهو الأمر الذي أخذه عليه‬
   ‫صورة الناقد المعنِّف في حقيقة الأمر‪ ،‬هي جز ٌء‬      ‫خصومه‪ ،‬واعتبروه مؤس ًسا للإقطاع الفكري على‬
   ‫من شخصية أو تكوين طه حسين‪ ،‬اللافت أنها‬
  ‫صارت صفة ملازمة له‪ ،‬فلم تفارقه في كتاباته‪،‬‬
  ‫وأي ًضا في أحاديثه ومداعباته أو حتى سخريته‪،‬‬

      ‫وإن كانت أثارت ضده ‪-‬في الجانب المقابل‪-‬‬
    ‫الانتقادات‪ ،‬التي وصلت إلى التشكيك في ِع ْلمه‬

                                  ‫وأي ًضا إبداعه‪.‬‬
    ‫بداي ًة‪ ،‬علينا أن نتساءل‪ :‬ما مصدر هذا ال ُعنف‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16